لأن ثانيهما كان يتهم بالتسري-بل إن الرأي العام كان يتسامح في التسري نفسه أي في اختلاط رجل غير متزوج بامرأة غير متزوجة اختلاطاً جنسياً منتظماً. ويلوح أن الكثرة الغالبة من القساوسة الأوربيين كانوا يحيون حياة لا غبار فيها من الناحية الأخلاقية، وإنا لنسمع طوال العصور الوسطى عن قساوسة وأساقفة يعيشون معيشة طاهرة نقية مخلصين لمن يرعونهم، وإنا كنا لا ننكر أنه كان في أماكن متفرقة رجال شواذ يندي من فعالهم الجبين، فها هو ذا الأسقف بنيفاس يشكو إلى البابا زخاري Zachary في ٧٤٢ أن الأسقفيات تعطي "للشرهين من غير رجال الدين، وللزانين من القسيسين"(٧٢)، وأن بعض الشمامسة "يحتفظون بأربع سراري أو خمس"(٧٣). وقد اتهم بيد الموقر في هذا القرن بعينه "بعض أساقفة" إنجلترا بأنهم يضحكون ويهزلون، ويروون الأقاصيص، ويمرحون، ويسكرون و … يحيون حياة الملذات والفسق" (٧٤). وكثرت هذه التهم وأمثالها في أواخر الألف السنة الأولى بعد الميلاد؛ فها هو ذا رالف جلابر Ralph Glaber يصف قساوسة ذلك العهد بأنهم يشاركون أهله في فسادهم الخلقي، وها هو ذا راهب إيطاليا يدعى بطرس داميان Peter Damian (١٠٠٧ - ١٠٧٢) يعرض على البابا كتاباً يسمى Liber Gomorrhianus ويصف فيه بالمغالاة التي يتوقعها الإنسان من رجل متمسك بدينه، ما يرتكبه القساوسة من رذائل؛ وفي هذا الكتاب فصل عن "مختلف القضايا المتناقضة للطبيعة". ويطالب داميان في هذا الكتاب بقوة أن يحرم الزواج على رجال الدين.
وكانت الكنيسة من زمن بعيد تعارض زواج رجال الدين بحجة أن القس المتزوج يضع ولاءه لزوجه وأبنائه في منزلة أعلى من إخلاصه للكنيسة سواء أدرك ذلك أو لم يدركه، وأنه سيميل من أجلهم إلى جمع المال أو المتاع، وأنه سيحاول أن ينقل كرسيه أو مرتبه لأحد أبنائه، وأن هذا قد يؤدي إلى طبقة وراثية