للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيضاً مثل سائر الشعوب ويقضي لنا ملكنا ويحارب حروبنا" (٢٦).

وعلمهم ملكهم الأول شأول الخير والشر بأعماله؛ فحارب حروبهم بشجاعة، وعاش عيشة بسيطة من موارد مزرعته في جلعاد، وأخذ يطارد الشاب داود ليقتله، وقُطِع رأسه في أثناء فراره من الفلسطينيين. وسرعان ما عرف اليهود من بداية الأمر أن حروب الوراثة من مستلزمات المَلَكية. وإذا لم تكن ملحمة شأول ويوناثان وداود الصغيرة قصة موضوعة من روائع الأدب (١) (لأنا لا نجد ذكراً لهذه الشخصيات في غير التوراة) فإن مليكهم الأول هذا قد خلفه، بعد فترة من الاضطرابات الدموية، داود الشجاع قاتل جالوت، وحبيب يوناثان وكثير من الفتيات، الذي يرقص بكل قوته وهو نصف عارٍ (٢٨)، ويجيد الضرب على القيثار، ويغني أغانيه العجيبة بصوته الرخيم، ملك اليهود القدير الذي ساسهم نحو أربعين عاماً. وقد استطاع الأدب في هذا العصر البعيد أن يرسم له صورة كاملة، صورة واقعية فيها كل ما في النفس الحية من عواطف وانفعالات متعارضة: فهو قاس غليظ القلب كما كان الناس في وقته، وكما كانت قبيلته، وكما كانت الصفات التي خلعها على إلهه، ولكنه مع هذا كان مستعداً لأن يعفو عن أعدائه كما كان يعفو عنهم قيصر والمسيح، يقتل الأسرى جملة كأنه ملك من ملوك الآشوريين، ويأمر ابنه سليمان أن " يحد بالدم إلى الهاوية " شيبة شمعي بن جيرا الذي لعنه منذ سنين كثيرة (٢٩)، ويأخذ امرأة أورية الحيثي بين نسائه في غير حياء، ويرسل أورية إلى الصف الأول في ميدان القتال ليتخلص منه (٣٠)، ويقبل زجر ناثان له في ذلة، ولكنه مع ذلك يحتفظ ببثشبع الجميلة، ويعف عن صمويل مرات تكاد تبلغ أربعمائة وتسعين، ولا يسلبه إلا درعه حين كان في مقدوره أن يسلبه حياته، وينجي مغيبوشت (٢) ويعينه،


(١) كقصة شمشون الظريفة الذي حرق حاصلات الفلسطينيين بأن أطلق عليهم ثلاثمائة ثعلب ربطت المشاعل في أذيالها، والذي قتل ألف رجل بعظم من فك حمار.
(٢) انظر صمويل الثاني ٤: ٤