وذلك أنه حين دخلت الصناعة مدن اليهود وجعلت الفرد هو الوحدة الاقتصادية في الإنتاج، ضعف سلطان الأسرة كما ضعف في هذه الأيام، واضمحل النظام الفطري الذي كانت تقوم عليه الحياة اليهودية.
ولم يكن"القضاة" وهم الذين كانت القبائل جمعاء تطيعهم في بعض الحالات، موظفين عموميين، بل كانوا زعماء عشائر أو رجال حرب- حتى إذا كانوا من الكهنة (٢٤). "ولم يكن في إسرائيل ملوك في تلك الأيام، بل كان كل إنسان يفعل ما يراه هو حقا"(٢٥). غير أن هذا النظام "الجفرسوني"(١) غير المعقول- إن صح أنه كان قائماً بالفعل- قد انهار أمام مطالب الحرب الملحة، وكان خطر سيطرة الفلسطينيين على اليهود عاملاً هاماً في جمع الأسباط كلهم في وحدة شاملة مؤقتة، وحملهم على تعيين ملك ذي سلطان دائم عليهم. وقد حذرهم النبي صمويل من بعض الأضرار التي تنجم عن خضوعهم لحكم رجل واحد فقال:
"وقال هذا يكون قضاء الملك الذي يحكم عليكم يأخذ بنيكم ويجعلهم لنفسه لمراكبه وفرسانه، فيركضون أمام مراكبه؛ ويجعل لنفسه رؤساء ألوف ورؤساء خماسين فيحرثون حراثته ويحصدون حصاده ويعملون عدة حربه وأدوات مراكبه، ويأخذ بناتكم عطارات وطباخات وخبازات، ويأخذ حقولكم وكرومكم وزيوتكم أجودها ويعطيها لعبيده، ويعشر زرعكم وكرومكم ويعطي لخصيانه وعبيده. ويأخذ عبيدكم وجواريكم وشياتكم الحسان وحميركم ويستعملها لشغله، ويعشر غنمكم وأنتم تكونون له عبيداً. فتصرخون في ذلك اليوم من وجه ملككم الذي اخترتموه لأنفسكم، فلا يستجيب لكم الرب في ذلك اليوم. فأبى الشعب أن يسمعوا لصوت صمويل وقالوا لا بل يكون علينا ملك، فنكون نحن
(١) أي الشبيه بالنظام الذي يدعو إليه تومس جفرسن رئيس جمهورية الولايات المتحدة ١٧٤٨ - ١٨٢٦ م (المترجم)