للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد يذهب بعد ذلك للصلاة في الكنيسة، ثم "يتغدى" في الساعة التاسعة صباحاً، ويشرف بعدئذ على أعمال الضيعة الكثيرة، ويشترك بنفسه في بعضها، ويصدر أوامره إلى الناظر ورئيس الخدم، والسائس، وغيرهم من أتباعه، ويستقبل الزوار وعابري السبيل، ثم "يتعشى" معهم ومع أسرته في الساعة الخامسة، ويأوي عادة إلى فراشه في الساعة التاسعة مساء. وكان هذا العمل الرتيب يتغير في بعض الأيام إذا ذهب إلى الصيد، ويتغير كذلك أحياناً قليلة إذا لعب "البرجاس"، ويتغير من حين إلى حين إذا قامت الحرب. وكثيراً ما كان يقيم الولائم، ويتبادل الهدايا الكثيرة مع الأضياف.

ولا تكاد زوجته تقل عنه عملاً. فكانت تلد له كثيراً من الأبناء وتربيهم، وكانت توجه الخدم الكثيرين، وتلكمهم أحياناً، وتلاحظ المخبز، والمطبخ، والمغسل، وتشرف على عمل الزبد والجبن، وعصر الجعة، وتمليح اللحم لحفظه أيام الشتاء، وتعمل في تلك الصناعات المنزلية الكبرى صناعات الخياطة، والحياكة، والغزل، والنسيج والتطريز، التي تعد بها معظم ملابس الأسرة، فإذا خرج زوجها للحرب قامت هي بشئون المزرعة العسكرية والاقتصادية، وكان ينتظر منها أن تمده بحاجاته المالية في أثناء حروبه؛ فإذا وقع في الأسر كان عليها أن تدبر الماء اللازم لافتدائه من كد رقيق أرضه، أو من بيع جواهرها وأدوات زينتها؛ وإذا مات زوجها وليس له ولد ذكر، فقد تؤول إليها سيادة الضيعة. فتصبح هي سيدتها dame domina، ولكنها كان ينتظر منها أن تتزوج مرة أخرى بعد زمن قليل لتهيئ للضيعة والسيد الأكبر ما يلزمهما من الخدمة أو الحماية العسكرية. وكان السيد الأكبر يقصر اختيارها على عدد قليل من الخاطبين القادرين على أداء هاتين المهمتين، وكان في مقدورها أن تصبح في داخل قصرها مسترجلة أو صخابة، وتبادل زوجها لطمة بلطمة. وكانت في ساعات فراغها تلبس على جسمها القوي أثواباً فضفاضة من الحرير ذات أهداب من الفراء، وتحتذي حذاءين