للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدوق جدفري Godfrey سيدبويون Bouillon (وهي مقاطعة صغيرة في بلجيكا) يجمع بين صفات الجندي والراهب- كان شجاعاً محنكاً في الحرب، ورعاً إلى حد التعصب في الدين؛ وكان الكونت بوهمند من سادة ترنتو Taranto ابن روبرت جسكارد Robert Guiscard قد ورث عن أبيه كل شجاعته وبراعته، وكان يحلم باقتطاع مملكة له ولجنوده النورمان من الأملاك البيزنطية السابقة في الشرق الأدنى. وكان معه ابن أخيه تانكرد الهوتفيلي Tancred of Hauteville الذي شاءت الأقدار أن يكون بطل رواية أورشليم المنجاة Jeusalem Delivered لتاسو Tasso. وكان بهي الطلعة، شجاعاً لا يهاب الردي، شهماً، كريماً، يحب المجد والمال، يعجب به الناس كافة ويرونه المثل الأعلى للفارس المسيحي. وكان ريموند Reymond كونت طولوز (طلوشة) قد حارب المسلمين من قبل في أسبانيا فلما تقدمت به السن وهب نفسه وثروته العظيمة إلى حرب أكبر وأوسع، ولكن غطرسته أفسدت عليه نبله، ودنس بخله تقواه.

وسارت هذه الجموع إلى القسطنطينية من طرق مختلفة؛ وعرض بوهمند على جدفري أن يستوليا على المدينة، فرفض جدفري هذا العرض لأنه لم يأت، على حد قوله، إلا لقتال الكفرة (١٢)، ولكن هذه الفكرة لم تمت. وكان فرسان الغرب الأشداء أنصاف الهمج يحتقرون سادة الشرق المثقفين المخادعين، ويرون أنهم مارقون من الدين، مخنثون، مترفون. وكانوا ينظرون بعين الدهشة والحسد إلى الكنوز المخزونة في كنائس العاصمة البيزنطية، وقصورها وأسواقها، ويرون أن هذا الثراء العظيم يجب أن يكون من نصيب الشجعان البواسل. ولعل ألكسيوس قد ترامت إليه هذه الأفكار التي كانت تملأ صدور منقذيه، وكان ما لاقاه في قتال جحافل الفلاحين (وقد لامه الغرب على هزيمته إياهم) مما دعاه إلى اصطناع الحذر، وإن شئت فقل إلى النفاق. نعم إنه استنجد بالغرب على الأتراك، ولكنه لم يطلب أن تتجمع قوى أوربا المتحدة على أبواب عاصمته، ولم