للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكن واثقاً قط من أن أولئك المقاتلين يطمعون في أورشليم بقدر ما يطمعون في القسطنطينية، أو من أنهم سيعيدون إلى ملكه أي إقليم ينتزعونه من الأتراك، وكان قبل من أملاك الدولة البيزنطية. ولهذا عرض على الصليبين المؤن، والأموال، ووسائل النقل، والمعونة الحربية، وعرض على زعمائهم رشا سخية (١٢)، وطلب إليهم في نظير هذا أن يقسم النبلاء يمين الولاء له بوصفه سيدهم الإقطاعي، وأن تكون كل الأراضي التي يستولون عليها إقطاعيات لهم منه. وأثرت الفضة في نفوس النبلاء ورقت قلوبهم فأقسموا اليمين المطلوبة.

وعبرت هذه الجيوش البالغ عددها نحو ثلاثين ألفاً المضيقين في عام ١٠٧٩، وكانت لا تزال موزعة القيادة. وكان من حسن حظ الصليبيين أن المسلمين كانوا أشد انقساماً على أنفسهم من المسيحيين، فقد أنهكت الحروب قوة المسلمين في أسبانيا، ومزقت المنازعات الدينية وحدتهم في شمالي إفريقيا؛ وكان الخلفاء الفاطميون في الشرق يمتلكون بلاد الشام الجنوبية، بينما كان أعداؤهم السلاجقة يمتلكون جزأها الشمالي والقسم الأكبر من آسيا الصغرى. وخرجت أرمينيا على فاتحيها السلاجقة وتحالفت مع الفرنجة. وزحفت جيوش أوربا يؤيدها هذا العون كله وحاصرت نيقية. واستسلمت الحامية التركية في المدينة بعد أن وعدها ألكسيوس بالمحافظة على حياتها (١٩ يونية سنة ١٠٩٧)، ورفع إمبراطور الروم العلم الإمبراطوري على حصنها، وحمى المدينة من النهب، وأرضى الزعماء الإقطاعيين بالعطايا السخية، ولكن الجنود المسيحيين اتهموا ألكسيوس بأنه ضالع مع الأتراك. واستراح الصليبيون في المدينة أسبوعاً زحفوا بعده على أنطاكية، والتقوا عند دوريليوم بجيش تركي تحت قيادة قلج أرسلان، وانتصروا عليه انتصاراً سفكوا فيه كثيراً من الدماء (أول يوليه سنة ١٠٩٧)، واخترقوا آسيا الصغرى دون أن يلقوا فيها عدواً غير قلة الماء والطعام، والحر الشديد الذي لم تكن دماء الغربيين قادرة على احتماله. ومات الرجال والنساء، والخيل