يبعث الشجاعة من جديد في قلوب الصليبيين، فادعى أنه عثر على الحربة التي نفذت في جنب المسيح، ولما سار المسيحيون للقتال رفعت هذه الحربة أمامهم كأنها علم مقدس، وخرج ثلاثة فرسان من بيت التلال في ثياب بيض حين ناداهم الرسول البابوي أدهمار وسماهم الشهداء القديسين موريس، وثيودور، وجورج. وبعث ذلك في قلوب الصليبيين روحاً جديدة، وتولى بوهمند القيادة الموحدة فانتصروا انتصاراً حاسماً. ثم اتهم بارثلميو بأنه ارتكب خدعة دينية، وعرض أن يرضى بحكم الله فيجتاز ناراً مشتعلة ليثبت باجتيازها صدق دعواه. وأجيب إلى طلبه فاخترق ناراً مشتعلة في حزم من الحطب، وخرج سالماً في الظاهر، ولكنه توفي في اليوم الثاني من أثر الحروق أو من الإجهاد الذي لم يحتمله قلبه، وأزيلت الحربة من بين أعلام الجيش الصليبي (١٨).
وأصبح بوهمند من ذلك الحين أمير إنطاكية اعترافاً بفضله، وكان يمتلك هذا الإقليم في ظاهر الأمر بوصفه أميراً إقطاعياً خاضعاً لألكسيوس، لكنه في الواقع كان يحكمه بوصفه حاكماً مستقلاً؛ وقال زعماء الصليبيين إن عجز ألكسيوس عن أن يخف لمعونتهم قد أحلهم من يمين الولاء التي اقسموها له. وقضى أولئك الزعماء ستة أشهر أعادوا فيها تنظيم قواهم وجددوا نشاطهم، ثم زحفوا بجيوشهم على أورشليم. وبعد حروب وقفوا في اليوم السابع من شهر يونية عام ١٠٩٩ وهم مبتهجون متعبون أمام أسوار المدينة. وكان من سخريات التاريخ أن الأتراك الذين جاءوا ليقاتلوهم قد أخرجوا من المدينة قبل ذلك الوقت بعام، وكان مخرجوهم هم الفاطميين. وعرض الخليفة الفاطمي على الصليبين أن يعقد معهم الصلح مشترطاً على نفسه أن يؤمن الحجاج المسيحيين القادمين إلى أورشليم والذين يأتونها للعبادة. ولكن بوهمند وجدفري طلبا التسليم بغير قيد أو شرط، وقاومت حامية الفاطميين