بعض، ويسكون العملة، ويحاكون الملوك المستقلين في هذه وغيرها من الشئون. وكان الأشراف هم الذين يختارون الملك، وتقيده سلطة كنسية دينية لا سلطان عليها لغير البابا نفسه. وكان مما أضعف سلطان الملك غير هذا أنه أسلم عدة ثغور: يافا، وصور، وعكا، وبيروت، وعسقلان- إلى البندقية، وبيزا، وجنوى، نظير ما تقدمه للمملكة الجديدة من معونة حربية وما تحمله لها بطريق البحر من مؤن. أما تنظيم المملكة وقوانينها فكانت تضعها المحاكم العليا في أورشليم- وكان هذا إحدى النتائج المنطقية للحكم الإقطاعي من الوجهة القانونية. وادعى الأشراف ملكية الأرض جميعها، وأنزلوا ملاكها السابقين- سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين- منزلة أرقاء الأرض، وفرضوا عليهم واجبات إقطاعية أشد قسوة مما كان منها وقتئذ في أوربا، حتى أخذ سكان البلاد المسيحيون ينظرون بعين الحسرة إلى حكم المسلمين ويعدونه من العصور الذهبية التي مرت بالبلاد (٢١).
وكان في المملكة الناشئة كثير من أسباب الضعف، ولكنها كانت تتلقى معونة فذة من نظام من الرهبان الحربين. ذلك أن تجار أملفي Amalfi كانوا قد حصلوا من المسلمين منذ عام ١٠٤٨ على إذن ببناء مستشفى في بيت المقدس لإيواء الفقراء أو المرضى من الحجاج. ثم نظم ريمند دوبي Raymond du Puy موظفي هذا المعهد تنظيماً جديداً فجعلهم هيئة دينية تكرس حياتها للعفة، والفقر، ى والطاعة، وحماية المسيحيين في فلسطين بالدفاع عنهم دفاعاً عسكرياً؛ ومن ثم أصبح هؤلاء الفرسان فرسان مستشفى القديس يوحنا من أنبل الهيئات الخيرية في العالم المسيحي. وحدث حوالي ذلك الوقت نفسه (١١١٩) أن نذر هيدوه بايان Hugh de Payans وثمانية آخرون من فرسان الصليبيين أنفسهم للرهبنة، وخدمة المسيحيين العسكرية، وأن حصلوا من بلدوين الثاني على مسكن لهم بالقرب من الموضع الذي كان فيه هيكل سليمان، وسرعان ما أطلق عليهم اسم فرسان المعبد. ووضع