لهم القديس برنار نظاماً صارماً، لم يطيعوه زمناً طويلاً؛ وكان مما أثنى عليهم به أنهم "أكثر الناس علماً بفن الحرب"، وأمرهم "ألا يغتسلوا إلا نادراً" وأن يقصوا شعر رؤوسهم (٢٢). وكتب برنار إلى فرسان المعبد يقول "إن على المسيحي الذي يقتل غير المؤمن في الحرب المقدسة، أن يثق بما سينال من ثواب، وعليه أن يكون أشد وثوقاً من هذا الثواب إذا قتل هو نفسه، وإن المسيحي ليبتهج بموت الكافر لأن المسيح يبتهج بهذا الموت"(٢٣)؛ ومن الواجب على الناس أن يقتلوا وهم مرتاحو الضمير إذا كانوا يريدون النصر في الحروب. وكان الواحد من فرسان المستشفى يلبس مئزراً أسود اللون، على كمه الأيسر صليب، أما الواحد من فرسان المعبد فكان يلبس مئزراً أبيض على "حرملته" صليب أحمر. وكانت كلتا الطائفتين تكره الأخرى كرهاً مبعثه الدين. وانتقل فرسان المستشفى وفرسان المعبد من تمريض الحجاج إلى الهجوم على حصون المسلمين؛ ومع أن فرسان المعبد لم يكونوا يزيدون على ثلثمائة، وأن فرسان المستشفى كانوا حوالي ١١٨٠ (٢٤)، فقد كان لهم جميعاً شأن ظاهر في معارك الحروب الصليبية؛ وذاعت شهرتهم الحربية. وقامت الطائفتان بحملة واسعة لجمع المال، فتوالت عليهما الإعانات من الكنيسة والدولة، ومن الأغنياء والفقراء على السواء؛ فلم يحل القرن الثالث عشر حتى كانت كلتاهما تمتلك في أوربا ضياعاً واسعة تشمل أديرة، وقرى، وبلداناً. وأدهشت كلتاهما المسيحيين والمسلمين بما أنشأت من الحصون الواسعة في بلاد الشام، حيث كانوا يستمتعون بالترف مجتمعين، وسط متاعب الحروب وكدحها، مع أنهم قد نذروا أنفسهم فرادي للفقر (٢٥). وفي عام ١١٩٠ أنشأ ألمان فلسطين طائفة الفرسان التيوتون بمعونة عدد قليل من الألمان في بلادهم الأصلية، وشادوا لهم مستشفى قرب عكا.
وعاد معظم الصليبيين إلى أوربا بعد الاستيلاء على بيت المقدس، فنقص بذلك عدد الرجال الذين تعتمد عليهم الحكومة المزعزعة الأركان نقصاً يعرضها