كلها من الطول والعرض. واعلموا أنه لم يكن بيننا رجل مهما بلغ من الشجاعة، إلا اقشعر بدنه حين شاهدها؛ وليس في هذا شيء من العجب، لأن أحداً من الناس لم يقم منذ بداية العالم بعمل يضارع في جلاله هجومنا على تلك المدينة (٥٠).
وأرسل المهاجمون بلاغاً نهائياً إلى ألكسيوس طلبوا فيه: أن يرد الإمبراطورية إلى الأخ الأعمى أو إلى ألكسيوس الصغير، الذي كان يصحب الأسطول المغير؛ فلما رفض ألكسيوس الثالث هذا الإنذار نزل الصليبيون إلى البر، بعد مقاومة ضعيفة، أمام أسوار المدينة، وكان دنولو الشيخ المسن أول من وطئت قدماه الأرض. وفر ألكسيوس الثالث إلى تراقيا، وأخرج الأشراف اليون اسحق أنجليوس من سجنه وأجلسوه بأنفسهم على العرش، وأرسلوا باسمه رسالة إلى الزعماء اللاتين يقول فيها إنه ينتظر ابنه ليحييه. وبعد أن استخلص الصليبيون وعداً من اسحق بارتباطه بما تعهد لهم به ولده دخل ندولو والأشراف المدينة، وتوج ألكسيوس الصغير إمبراطوراً بالاشتراك مع أبيه. ولما عرف اليونان الثمن الذي اشترى به هذا النصر انقلبوا عليه غاضبين ساخرين؛ فأما العامة فقد أخذوا يحبسون مقدار ما يجب عليهم أداؤه من الضرائب لجمع ما وعد به منقذيه من المال، وأما الأشراف فقد ساءهم وجود أرستقراطية غربية وقوة أجنبية في المدينة، وأما رجال الدين فقد رفضوا في غضب وحنق أن يخضعوا لروما. وحدث في هذا الأثناء أن رأى بعض الجنود اللاتين جماعة من المسلمين يصلون في مسجد مقام في مدينة مسيحية، فثارت ثائرتهم وأشعلوا النار في المسجد، وقتلوا المصلين. وظلت النار مشتعلة ثمانية أيام وامتدت إلى مسافة ثلاثة أميال، وأحالت جزءاً كبيراً من القسطنطينية رماداً وأنقاضاً. وقام أمير من البيت المالك وتزعم ثورة من أهل المدينة وقتل ألكسيوس الرابع، وأعاد اسحق إنجليوس إلى السجن، وجلس على العرش وتسمى باسم ألكسيوس الخامس دوكاس