الباكر شواهد كثيرة تدل على أنهم عبدوا الأفعى. ومن هذه الشواهد صورة الأفعى التي وجدت في أقدم آثارهم (٥٤). ومنها الأفعى النحاسية التي صنعها موسى والتي عبدها اليهود في الهيكل إلى أيام حزقيا (حوالي ٧٢٠ ق. م)(٥٥). وكانت الأفعى تبدو حيواناً مقدساً لليهود كما كانت تبدو لشعوب كثيرة عداهم، وذلك لأنها رمز للذكورة المخصبة من جهة، ولأنها من جهة أخرى تمثل الحكمة والدهاء والخلود- فضلاً عن أنها تستطيع أن تجعل طرفيها يلتقيان (٥٦).
وكان بعض اليهود يعظمون بعل، الذي كان يرمز إليه بحجارة مخروطية قائمة كثيرة الشبه بلنجا إله الهندوس، وذلك لأنه في رأيهم الجوهر الذكر في التناسل، وزوج الأرض الذي يخصبها (٥٧).
وكما أن آثار عبادة الآلهة الكثيرة البدائية قد بقيت في عبادة الملائكة والقديسين، وفي الأصنام الصغيرة المتنقلة التي كانوا يتخذونها آلهة لبيوتهم (٥٨)، كذلك ظلت المعتقدات السحرية التي كانت منتشرة في العبادات القديمة، باقية عند اليهود إلى عهود متأخرة رغم احتجاج الأنبياء والكهنة. ويبدو أن الناس كانوا ينظرون إلى موسى وهرون على أنهما ساحران، وأنهم كانوا يناصرون السحرة والعرافين. وكان استطلاع المستقبل يحدث أحيانا برمي النرد (أريم وتميم) من صندوق (إفود) - وهي طريقة لا تزال تستخدم لمعرفة ما يريده الآلهة. ومما يذكر بالحمد لكهنة اليهود أنهم قاوموا هذه العادات، ودعوا الناس ألا يعتمدوا إلا على قوة سحرية واحدة هي قوة القربان والصلوات والتبرعات.
وما لبثت فكرة اتخاذ يهوه إله اليهود القومي الأوحد أن تبلورت وأكسبت الديانة اليهودية وحدة وبساطة كانتا سبباً في انتشالها من فوضى الشرك التي كانت تسود أرض الجزيرة. ويبدو أن اليهود الفاتحين عمدوا إلى أحد آلهة