للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت هذه الموالد عصب الحياة التجارية في العصور الوسطى. نعم إن البائعين الجوالين كانوا بطبيعة الحال يترددون ببضائعهم الصغيرة على الأبواب، والصناع يبيعون مصنوعاتهم في حوانيتهم، والبائعين والمشترين يجتمعون في المدن أيام الأسواق، والأشراف يقيمون الأسواق قريبة من قصورهم، والكنائس تسمح بإقامتها في أفنينها، والملوك يديرونها في مخازن في عاصمة ملكهم. نعم إن هذا كله كان يحدث، ولكن تجارة الجملة، والتجارة الدولية كانتا تتركزان في المواسم الإقليمية التي كانت تقام في أوقات معينة في لندن واستوربرج Stourbridge بإنجلترا؛ وفي باريس، وليون، وريمس، وإقليم شمبانيا بفرنسا؛ وفي ليل، وإيبر Ypres ودويه Douai، وبروج Bruge بفلاندرز، وفي كولوني، وفرانكفورت، وليبزج، ولوبك Lübeck بألمانيا، وجنيفا بسويسرا؛ ونفجورود بروسيا .. وكانت أشهر هذه الأسواق كلها وأحبها إلى الجماهير ما كان يقام منها بمقاطعة شمبانيا في لآني Lagny، إذا حل شهر يناير، وفي بار- على- الأوب Bar- sur- Aube أيام عيد الفصح، وفي بروفن Provins في شهري مايو وسبتمبر، وفي تراوي Troyes في شهري سبتمبر ونوفمبر. وكان كل موسم من هذه المواسم يدوم ستة أسابيع أو سبعة، وكان تعاقبها على هذا النحو بمثابة سوق دولية تدوم معظم أسام السنة. وكانت أماكنها مما ييسر اجتماع المتاجر والتجار القادمين من فرنسا والأراضي الوطيئة، ووادي نهر الرين، بالقادمين من بروفانس، وأسبانيا، وإيطاليا، وإفريقيا، وبلاد الشرق؛ وكانت هذه المواسم مصدراً كبيراً للثراء والسلطان لفرنسا في القرن الثاني عشر. ونشأت هذه المواسم في مدينة تراوي في القرن الخامس الميلادي، ثم اضمحل شأنها حين انتزع فليب الرابع (١٢٨٥ - ١٣١٤) شمبانيا من أمرائها المستنيرين ففرض عليها من المكوس والنظم ما أفقرها؛ فلما كان القرن الثالث عشر حلت محلها الثغور والتجارة البحرية.