وكان بناء السفن والملاحة قد تحسنا تحسناً بطيئاً منذ أيام الرومان، فقد كان لمئات من المدن الساحلية منارات حسنة لإرشاد السفن، وكان لكثير منها- كالقسطنطينية، والبندقية، وجنوى، ومرسيليا، وبرشلونة- أحواض واسعة. وكانت السفن في العادة ذات سطح واحد أو لا سطح لها على الإطلاق، وكانت حمولتها حوالي ثلاثين طناً؛ وكان في مقدورها لصغر حجمها وقلة حمولتها أن تسير صعداً في الأنهار مسافات بعيدة؛ ولهذا كان في مقدور سفن المحيطات أن تصل إلى أمثال مدائن نوبونة Narbonne، وبوردو، ونانت Nantes، ورون، وبروج، وبرمن، وإن كانت بعيدة بعض البعد عن البحار؛ ولهذا أضحت هذه المدن ثغوراً مزدهرة. وكانت بعض سفائن البحر المتوسط أكبر حجماً من السفن السالفة الذكر، تحمل ستمائة طن وتتسع لألف وخمسمائة راكب (٢). وأهدت البندقية إلى لويس التاسع سفينة يبلغ طولها مائة قدم وثماني أقدام، وعدد بحارتها مائة وعشرة. وكان الطراز السائد لا يزال هو الطراز القديم ذا الكوثل المزخرف، والسارية أو الساريتين، والشراع أو الشراعين، والهيكل المنخفض ذي الصفين أو الثلاثة الصفوف من المجاذيف، وقد يصل عددها إلى مائتي مجذاف. وكان معظم المجذفين رجالاً أحراراً متطوعين لأن البحارة العبيد كانوا قليلي العدد في العصور الوسطى (٣). وتقدم فن إدارة الشراع إلى الريح الذي كان معروفاً في القرن السادس تقدماً بطيئاً حتى القرن الثاني عشر حين أضيفت إلى الشراع المربع القديم أشرعة أمامية وخلفية (٤)، ولكن القوة المحركة الرئيسية ظلت هي المجاذيف كما كانت قبل. وظهرت البوصلة البحرية، التي لا تعرف بدايتها على وجه التحقيق (١)، في سفن المسيحيين حوالي عام ١٢٠٠ وجعل الملاحون الصقليون استعمالها مستطاعاً في المياه الهائجة بتثبيت
(١) ربما كانت نشأتها في أوربا؛ انظر مجلة اسيكيولوم Speculum عدد إبريل سنة ١٩٤٠ ص ١٤٦.