الإبرة الممغنطة فوق قطب متحرك (٥)، ومع هذا فقد مرت مائة عام بعد هذا الاختراع قبل أن يجرؤ الملاحون- عدا أهل الشمال- على الابتعاد عن الأرض وتسيير السفن وسط البحار الواسعة. وكانت الملاحة المحيطية من ١١ فبراير إلى ٢٢ نوفمبر عملاً استثنائياً، فقد كانت محرمة على سفن العصبة الهانسية Hansetic League، وكانت سفائن البحرين المتوسط والأسود تقف في هذه الفترة. وظلت الأسفار البحرية بطيئة كما كانت في الزمن القديم، فكان اجتياز المسافة من مرسيليا إلى عكا يتطلب خمسة عشر يوماً، ولم تكن الأسفار البحرية توصف لشفاء الأمراض، وكانت البحار موبوءة بالقرصان، وكثيراً ما كانت السفن تتحطم أثناء سفرها، ولم تكن أقوى البطون تنجو من الاضطراب؛ ويحدثنا فروسار Froissart أن سير هرفية دخ ليون Sir Herve de Leon ظل يتخبط على ظهر السفينة خمسة عشر يوماً بين سوثمبتن Southampton وهارفلير Harflur، وأنه اعتل إلى حد لم يستطع بعده أن يستعيد صحته (٦). وكان يعوض المسافرين عن هذه المتاعب بعض التعويض أن أجور السفر كانت قليلة، فقد كان أجر عبور نقل القناة الإنجليزية (بحر المانش) ستة بنسات في القرن الرابع عشر، وكانت أجور نقل البضائع والأسفار البعيدة تتناسب مع هذا الأجر القليل، ولهذا امتاز النقل البحري على البري امتيازاً تبادلت بسببه خريطة أوربا السياسية فغي القرن الثالث عشر.
ولما استرد الصليبيون سردانية (١٠٢٢) وقورسقة (١٠٩١) من المسلمين فتح مضيق مسينا، والبحر المتوسط للملاحة الأوربية، كما استردت الحرب الصليبية الأولى جميع الثغور الجنوبية الواقعة على هذا البحر إلا القليل منها. فلما تحررت التجارة من هذه القيود ربطت أوربا بشبكة من الطرق التجارية لم تقتصر نتيجتها على اتصالها بالمسيحيين في آسيا، بل شملت كذلك اتصالها ببلاد المسلمين في إفريقيا وآسيا، ثم امتدت إلى أبعد من هذا، إلى بلاد الهند والشرق