الأقصى. فقد كانت المتاجر تحمل من الصين أو الهند، وتجتاز التركستان، وفارس، والشام إلى موانئ سوريا وفلسطين؛ أو تخترق بلاد المغول إلى بحر الخزر ونهر الفلجا؛ أو تنقلها إلى الخليج الفارسي، ثم تسير صعدا في نهر الفرات ودجلة. ثم تجتاز الجبال والصحراوات إلى البحر الأسود، أو بحر الخزر، أو البحر المتوسط؛ أو تسير السفن في البحر الأحمر ثم تنقل بالقنوات أو القوافل إلى القاهرة أو الإسكندرية. وكانت التجارة- ومعظمها في القرن الثالث تجارة مسيحية- تنتشر من ثغور إفريقيا الإسلامية إلى آسيا الصغرى وبيزنطية، أو إلى جزائر قبرص، ورودس، وكريت (إقريطش)؛ أو إلى ثغور سلانيك، وبيرية، وكورنثة، وبتراس؛ أو إلى صقلية، وإيطاليا، وفرنسا، وأسبانيا. وكانت القسطنطينية تضيف بضائعها الكمالية إلى هذا التيار الجارف، وتغذى التجارة الصاعدة في نهر الدانوب والدنيبر إلى أوربا الوسطى، والروسيا، ودول البحر البلطي. واستولت مدائن البندقية، وبيزا، وجنوى على التجارة الغربية البيزنطية، وحاربت كما يحارب المتوحشون لكي تكون للمسيحيين السيادة على البحار.
وكان مركز إيطاليا بين الشرق والغرب، موغلة في البحر المتوسط، وثغورها المتجهة إلى البحر في ثلاث جهات مختلفة، وبلدانها المشرفة على ممرات جبال الألب، مما يسر لها في ثلاث الاستفادة أكثر من سائر الأقطار من تجارة أوربا مع بيزنطية، وفلسطين، وبلاد المسلمين. فقد كان لها على البحر الأدرياوي مدائن البندقية، ورافنا، وريميني، وأنكونا، وباري، وبرنديزي، وتارنتو؛ وكان لها في الجنوب كروتون (أقروطونة)؛ وكان لها على الساحل الغربي رجيو، وسلرنو، وأملفي، ونابلي، وأستيا، وبيزا، ولوكا، وكانت هذه تنقل تجارة غنية واسعة؛ وكانت فلورنس المركز المصرفي لهذه التجارة تسيطر على شئونها المالية. وكان نهر الأرنو والبو ينقلان بعض هذه التجارة في داخل البلاد إلى مدائن بدوا،