كثير من المدن أرباحاً طائلة من احتكار البلديات لصناعة الخمور، وكانت ألمانيا في ذلك العهد قد تزعمت العالم في الصناعة القديمة.
ويرجع معظم رخاء مدينة همبورج في القرن الرابع عشر إلى معاصرها الخمسمائة والى بيع منتجاتها، وبقيت الصناعات بوجه عام، إذا استثنينا منها صناعة النسيج، في مرحلة الصناعات اليدوية، فكان الصناع الذين يعملون للسوق المحلية- كالخبازين، والأساكفة، والحدادين، والنجارين ومن إليهم- هم المالكين لأدواتهم وثمار عملهم، وظلوا أحراراً من الناحية الفردية. وكانت معظم الصناعات لا تزال تقوم في بيوت العمال أو الحوانيت الملاصقة لبيوتهم؛ وكانت كثير من الأسر تؤدي لنفسها كثيراً من الأعمال التي توكل الآن للحوانيت أو المصانع- كانت تصنع خبزها، وتنسج ثيابها، وتخصف نعالها. وكانت خطى التقدم في هذه الصناعة المنزلية بطيئة؛ وكانت الأدوات ساذجة، والآلات قليلة، ولم تكن دوافع المنافسة والكسب مما يحفز الناس على الإنتاج أو على استبدال القوة الآلية بالمهارة البشرية؛ ومع هذا فلربما كان هذا النظام هو أحسن صورة من التنظيم الصناعي في التاريخ كله. نعم إن إنتاجه كان بطيئاً، ولكن أكبر الظن أن ما كان يبعثه في نفوس الصناع من رضا وقناعة كان عالياً إذا قيس بغيره من العصور. فقد بقي العامل قريباً من أسرته، وكان هو الذي يحدد ساعات عمله ويحدد بقدر ما ثمن ما يصنع؛ وكان إعجابه بمهارته يسمو بخلقه ويبعث فيه الثقة بنفسه؛ وكان فناناً وصانعاً معاً؛ وكان يغتبط اغتباط الفنان حين يرى الشي الكامل الذي يصنعه يتشكل شيئاً فشيئاً بين يديه.