وكانت الخطيئة هي الفكرة الأساسية في الدين اليهودي. ولم ير العالم شعباً آخر أولع بالفضيلة ولع اليهود- إلا إذا استثنينا طائفة المتطهرين الذين يخيل إلينا أنهم خرجوا من بين أسفار العهد القديم دون أن تمسهم الكثلكة الطويلة العهد بسوء. ولما كانت الطبيعة البشرية ضعيفة و "السنن" معقدة صعبة فلم يكن ثمة مفر من الوقوع في الخطيئة، وكثيراً ما كانت الروح اليهودية تتلبد بالغيوم لما ينجم عن الخطيئة من سيئ العواقب، كحبس المطر أو تدمير إسرائيل بقضها وقضيضها. ولم يكن في هذا الدين جحيم يخصص لعقاب المذنبين، ولكن شيول أو "أرض الظلام" التي تحت الأرض لم تكن تقل هولاً عن هذا الجحيم. وكان يلقى فيها الموتى جميعهم الطيب منهم والخبيث، لا يستثنى منهم إلا المقربون إلى الله كموسى وأخنوخ وإيليا. على أن اليهود قلما كانوا يشيرون إلى حياة أخرى بعد الموت، ولم يرد في دينهم شيء عن الخلود؛ وكان ثوابهم وعقابهم مقصورين على الحياة الدنيا. ولم تدر فكرة البعث في خلد اليهود إلا بعد أن فقدوا الرجاء في أن يكون لهم سلطان في هذه الأرض، ولعلهم أخذوا هذه الفكرة عن الفرس، أو لعلهم أخذوا شيئاً منها عن المصريين. ومن هذه الخاتمة الروحية ولدت المسيحية.
وكان يمكن اتقاء الخطيئة ونتائجها بالصلاة والتضحية. وبدأت التضحية عند الساميين كما بدأت عند "الآريين" بالضحايا البشرية (٨٥) ثم حل الحيوان محل الإنسان فصار يضحي "بأولى ثمرات القطعان" وباكورة الطعام الذي تنتجه الحقول؛ ثم انتهى الأمر أخيراً بالاكتفاء بالتسبيح والثناء على الله. وكان الاعتقاد السائد في أول الأمر ألا يؤكل لحم حيوان إلا إذا ذبحه كاهن وباركه، وعُرِض وقتاً ما على الإله (٨٦). وكانت عملية الختان نفسها من أعمال التضحية، ولربما كانت فدية لتضحية أخرى أشد منها قسوة يكتفي فيها الإله بأخذ جزء