إلى التوحيد من كل دين آخر قبل عصر الأنبياء إذا استثنينا عبادة الشمس القصيرة الأجل في عهد إخناتون. لقد كانت اليهودية تسمو كثيراً على غيرها من أديان ذلك الوقت في عظمتها وسلطانها، وفي وحدتها الفلسفية، وفيما تنطوي عليه من حماسة أخلاقية ومن أثر في نفوس أهلها، وكانت تضارع في عواطفها وشعريتها شرك البابليين واليونان إن لم تفقه من هاتين الناحيتين.
وهذا الدين القاسي المكتئب لم يتخذ له شيئاً من الطقوس المنمقة والاحتفالات المرحة التي كانت شائعة في عبادة الآلهة المصرية والبابلية. وكان يغشي التفكير اليهودي بأجمعه شعور بضآلة شأن الإنسان أمام رب قادر يسيره طوع أمره. وبقيت عبادة يهوه قروناً كثيرة ديناً قوامه الخوف لا الحب، والرهبة لا الرغبة، رغم ما بذله سليمان من جهود لكي يجمل باللون والنغم عبادة هذا الإله الرهيب. ولسنا ندري، إذا رجعنا بذاكرتنا إلى هذا الدين وأمثاله، هل عادت هذه الأديان على الإنسانية بالسلوى بقدر ما عادت عليها بالفزع. إن الأديان التي تبعث في النفوس الأمل والدب لا تكون إلا متعة من متع الأمن والنظام، ولم يكن الأمن والنظام من الصفات التي سادت طويلاً بلاد اليهود. أما الحاجة إلى قذف الرعب في قلوب الشعب، أو الثائرين من الأجانب الخاضعين لسلطانه، فقد جعلت معظم الأديان البدائية عبادات قوامها الخفاء والرعب.
ولقد كان تابوت العهد المحتوي على ملفات السنن والذي لم يكن يسمح لأحد أن يمسه، كان هذا التابوت رمزاً لطبيعة العقائد اليهودية. ولما مد عَزَّة الصالح يديه إلى التابوت ليمنعه أن يسقط على الأرض وأمسكه لحظة قصيرة "حمى غضب الرب على عزة وضربه الرب هناك لأجل أنه مد يده إلى التابوت فمات هناك أمام الله"(٨٤).