للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هو أن يكون مقامه فوق مقام سائر الأرباب: وهو يقر بأنه "إله غيور"، ويأمر أتباعه بهدم مذابحهم، وتكسير أصنامهم (٧٧) وإبادتهم. وقلما كان اليهود قبل إشعيا يفكرون في أن يهوه إله الأسباط جميعاً، أو حتى إله العبرانيين جميعاً، فقد كان للموآبيين إلههم شمش، وكان نعومي يظن أن لا ضير من أن يظل راعوث على ولائه له (٧٨). وكان بلزبوب إله عكرون، وملكرم إله عمون: ذلك أن النزعة الانفصالية التي كانت تتملك نفوس أولئك القوم من الناحيتين الاقتصادية والسياسية قد أدت بطبيعة الحال إلى ما تستطيع أن تسميه استقلالاً دينياً. ويقول موسى في أغنيته الشهير: "من مثلك بين الآلهة يا رب" (٧٩). ويقول سليمان! " إلهنا أعظم من جميع الآلهة ".

ولم يكن جميع اليهود، اللهم إلا أعظمهم علماً، يعدون تموز إلهاً حقاً فحسب، بل إن عبادته فضلاً عن هذا كانت في وقت من الأوقات منتشرة في بلاد اليهود حتى لقد شكا حزقيال من أن البكاء حزناً على تموز كان يسمع في الهيكل (٨١). لقد كان ما بين اليهود من فوارق وما كان لهم من استقلال كافيين لأن تبقى لطوائفهم آلهتهم الخاصة حتى في زمن إرميا: "على عدد مدنك صارت إلهتكِ يا يهوذا"، ثم يظهر النبي الحزين غضبه على بني وطنه لأنهم يعبدون بعلاً ومولك (٨٢). فلما أن نشأت الوحدة السياسية في أيام داود وسليمان، وتركزت العبادة في الهيكل بأورشليم، أخذ الدين يردد أصداء التاريخ والسياسة، وأمسى يهوه إله اليهود الأوحد. ولم يخط اليهود نحو التوحيد خطوة غير هذه الخطوة، وهي أن لليهود إلهاً واحداً يعلو على آلهة غيرهم من البشر، حتى كان زمن الأنبياء (١). على أن الديانة العبرانية حتى في هذه المرحلة اليهودية كانت أقرب


(١) لقد جهر إليشع في القرن التاسع قبل الميلاد بوجود إله واحد: "هو ذا قد عرفت أنه ليس إله في كل الأرض إلا في إسرائيل" (٨٣). وجدير بنا أن نذكر أن التوحيد حتى في يومنا هذا إنما هو توحيد نسبي ناقص، فكما كان اليهود يعبدون إلهاً قبلياً، فإنا نحن أيضا نعبد إله أوربياً- أو إلهاً إنجليزياً أو ألمانياً أو إيطالياً. ولا تمر بنا لحظة واحدة نتواضع فيها قليلاً فنذكر أن الملايين الذين يسكنون الهند والصين واليابان- بل سكان الغابات المتفقهين في دينهم- لا يعترفون بدين آبائنا نحن. ولن يكون للعالم كله إله واحد حتى تربط الآلات الأرض وتؤلف بينها، وتجعلها وحدة اقتصادية، وتجمع الأمم كلها في حكومة واحدة.