للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتربية الماشية، والاحتفاظ بخصب التربة في الأقطار الواقعة شمال جبال الألب؛ وترك الزراع في الضياع الجديدة يبتكرون ويغامرون كما يشاءون ولم يفرض عليهم تقسيم أراضيهم بين المزروعات المختلفة. وكان الزراع الذين يفلحون في القرن الثالث عشر حقول فلاندرز المستحصلة من المستنقعات يتبعون الدورة الزراعية الثلاثية، فكانت الأرض تزرع كل عام ولكن خصبها كان يجدد مرة كل ثلاث سنين بزرع الكلأ الذي يتخذ غذاء للحيوان أو البقول. وكان زوجان من الثيران القوية يجران المحاريث ذات السهام الحديدية تتعمق الأرض أكثر من ذي قبل. غير أن الكثرة الغالبة من المحاريث ظلت مع ذلك تصنع من الخشب (١٣٠٠). ولم يكن يعرف التسميد إلا أصقاع قليلة، وقلما كانت عجلات العربات تطوق بإطار من حديد. وكانت تربية الماشية من الأعمال الشاقة لطول فترات الجفاف؛ ولكن القرن الثالث عشر شهد التجارب الأولى في تهجين السلالات وأقلمتها. ولم تتقدم صناعة مستخرجات الألبان، فلم تكن البقرة العادية في القرن الثالث عشر تدر إلا قليلاً من اللبن، وقلما كان يصل إلى رطل واحد في الأسبوع (مع أن البقرة الحسنة التربية تنتج الآن ما بين عشرة أرطال وثلاثين رطلاً من الزبد في الأسبوع الواحد).

وبينما كان السادة في أوربا يقاتل بعضهم بعضاً، كان فلاحوها يخوضون معارك أعظم شأناً، وتتطلب من الشجاعة والبطولة ما يسمو على المعارك الحربية، ولا يتغنى بمديحهم إنسان؛ تلك هي معارك الإنسان مع الطبيعة. فقد طغى البحر بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر خمساً وثلاثين مرة على الجسور، وأغرق الأراضي الوطيئة، وشق خلجاناً وأجواناً جديدة في البقاع التي كانت من قبل أرضاً صلبة، وأهلك مائة ألف من السكان في مائة عام. ونقل الفلاحون أهل هذه الأقاليم في خلال الفترة الممتدة من القرن الحادي عشر إلى القرن الرابع عشر بإشراف أمرائهم ورؤساء أديرتهم جلاميد الصخر من اسكنديناوة وألمانيا