وشادوا بها "السور الذهبي" الذي أنشأ البلجيكيون والهولنديون وراءه دولتين من أعظم دول التاريخ كله حضارة، وانتزعت بذلك آلاف الأفدنة من البحر، ولم يستهل القرن الثالث عشر حتى كانت شبكة من القنوات تشق الأراضي الوطيئة. واحتفر الإيطاليون بين عامي ١١٧٩ و ١٢٥٧ القناة العظمى Naviglio Grande بين بحيرة مجيوري ونهر البو فأخصبوا بها ٨٦. ٤٨٥ فداناً، وأحال المهاجرون القادمون من فلاندرز، وفريزيا Frisia، وسكسونيا، وأرض الرين مناقع المورن Mooren الواقعة بين نهر الإلب والأودر حقولاً غنية. وقطعت غابات فرنسا الزائدة على الحاجة شيئاً فشيئاً وحلت مكانها الضياع التي ظلت تطعم فرنسا خلال الاضطراب السياسي الذي دام قروناً طوالاً. ولعل هذه البطولة الجماعية التي بذلت في تقطيع الغابات، وتجفيف المستنقعات، وإرواء الأرض وزراعتها، لا الانتصارات الحربية أو التجارية، هي العامل الأساسي الذي أدى آخر الأمر إلى انتصار الحضارة الأوربية في الأعوام السبعمائة الأخيرة.