الحربية التي أقامت هذه الممالك الصغيرة كانت هي بعينها القاضية عليها لكثرة ما ثار بينها من المنازعات والأحقاد القاتلة؛ فقد كانت الأحزاب المتنافسة يحارب بعضها بعضاً على تلال المورة وسهول بؤوتيا حرباً طاحنة قضت عليها جميعاً؛ ولما أن غزت اليونان "الشركة القطلونية Catalian Company" الكبرى المؤلفة من جماعة المغامرين القادمين من قطلونيا (١٣١١) ذبحت زهرة فرسان الفرنجة في المعركة التي دارت قرب نهر سفسوس Cephisus، وأضحت المنهوكة القوى ألعوبة في أيدي القراصنة الأسبان.
وبعد عامين من سقوط القسطنطينية أقام لسكاريس Theodoae Lescaris حمو ألكسيوس الثالث حكومة بيزنطية في منفاه في نيقية. ورحبت بحكمه جميع الأناضول بما فيها مدائن بورصة، وفلدلفيا، وأزمير، وإفسوس الغنية؛ وأفاءت إدارته الحازمة القديرة العادلة على هذه الأقاليم رخاء جديداً، وبعثت في الآداب اليونانية حياة جديدة، وأحيت قلوب الوطنيين اليونان آمالاً جديدة. وأنشأ ألكسيوس كمنينوس ابن مانويل في شرق تلك البلاد وفي طربزون بالذات مملكة بيزنطية أخرى، ونشأت مملكة ثالثة في إبيروس برياسة ميخائيل أنجلوس؛ وضم جون فتاتزيس John Vatatzes زوج ابنه لسكاريس وخليفته (١٢٢٢ - ١٢٥٤) جزءاً من أبيروس إلى مملكة نيقية، واسترد سالونيك من الفرنجة (١٢٤٦)، وكاد يستولي على القسطنطينية نفسها لولا أنه عاد إلى آسيا الصغرى لأنه عرف أن البابا إنوسنت قد دعا المغول الزاحفين غرباً إلى الإغارة على بلاده من جهة الشرق (١٢٤٨). ورفض المغول مشروع البابا محتجين بتلك الحجة الساخرة وهي أنهم لا يريدون أن يعملوا على "إثارة الأحقاد بين المسيحيين بعضهم وبعض"(٤). وكان حكم الملك جون الطويل الأمد من خير الأحكام في التاريخ وأعظمها تشريفاً لصاحبها، فقد استطاع أن يخفف الضرائب، ويشجع الزراعة، وينشئ المدارس، ودور الكتب،