للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاصطلحوا مع الكنيسة الروسية، وحموا لها ممتلكاتها ورجالها، وأعفوا هذه الممتلكات وأولئك الرجال من الضرائب، وجعلوا الإعدام عقاباً لمن ينتهك حرماتها. وقابلت الكنيسة هذا الجميل بمثله- أو لعلها أرغمت على رده إرغاماً- فأوصت الروس بالخضوع للسادة المغول، ودعت الله جهرة أن يهبهم السلامة (١٤). وأراد آلاف من الروس أن يضمنوا لأنفسهم الأمن والسلام وسط عواصف الرعب فترهبوا؛ وتوالت الهبات على المؤسسات الدينية، حتى أثرت الكنيسة الروسية ثراء فاحشاً وسط الفقر السائد في جميع البلاد. ونمت في الشعوب روح الخضوع والاستسلام، ومهدت السبيل إلى الاستبداد الذي سلط عليها قروناً طوالاً. لكن الروسيا ظلت مع ذلك هي الروسيا وإن حنت رأسها لعاصفة المغول الهوجاء، ووقفت سداً منيعاً تصد عن أوربا سيل الغزاة الأسيويين، فقد تحطمت قوة التيار البشري الجارف على صخرة الأجناس الصقلبية- الروس، والبوهيميين، والمورافيين، والبولنديين- والمجرية؛ وقضت أوربا الغربية فترة من الزمن ترتجف من الهول ولكنها لم تكد يمسها أذى. ولعل بقية أوربا استطاعت أن تسير في طريقها نحو الحرية والسياسة والعقلية، ونحو الثروة، والنعيم، والفن، لأن الروسيا ظلت مائتي عام مغلوبة، ذليلة، راكدة، فقيرة.