منهم أن هذه الشريعة تجعل الإمبراطور صاحب السلطة المطلقة على جميع أجزاء الإمبراطورية والمالك لكل ما فيها، وتخوله حق تعديل الحقوق الشخصية أو إلغائها إذا رأى في تعديلها أو إلغائها مصلحة للدولة. ورفض البابا اسكندر الثالث هذه الادعاءات لخوفه منها على حقوق البابوية الزمنية، وأيد هذه الرفض بإعلانه أن هذه الحقوق هبات من بيبين وشارلمان؛ ولما أصر فردريك على الاستمساك بمطالبه حرمه البابا من الكنيسة (١١٦٠). وانتقلت وقتئذ صيحات مدينتي جلف وغبلين لتمثل أولاهما مؤيدي البابا والثانية مؤيدي الإمبراطور. وحاصر فردريك مدينة ميلان العنيدة عامين كاملين، حتى إذا استولى عليها آخر الأمر حرقها عن آخرها (١١٦٢). وأغضبت هذه القسوة مدائن فيرونا، وفيسنزا، وبدوا، وترفيزو، وفرارا، ومانتوا، وبرشيا، وبرجامو، وكرمونا، وبياسنزا، وبارما، ومودينا، وبولونيا، وميلان، فعقدت فيما بينهما حلف جامعة المدن اللمباردية (١١٦٧) وهزمت جيوش تلك الجامعة جيش فردريك الألماني عند لنيانو في عام ١١٧٦، وأرغمته على أن يعقد هدنة تدوم ست سنين. واصطلح الإمبراطور والبابا بعد عام من ذلك الوقت، ووقع فردريك معاهدة صلح في كنستانس (١١٨٣) أعاد بها الحكم الذاتي إلى المدن الإيطالية. وأقرت هذه المدن في نظير هذا بالسيادة الاسمية للإمبراطورية عليها، ووافقت كرماً منها وشهامة على أن تمد فردريك وحاشيته بما يلزمه من الزاد في زيارته للمبارديا.
وهكذا هزم فردريك في إيطاليا ولكنه انتصر في جميع البلاد الأخرى، وأفلح في تثبيت دعائم السلطة الإمبراطورية على بولندة، وبوهيميا، وهنغاريا. وفرض من جديد على رجال الدين الألمان، بالفعل إن لم يكن بالقول، جميع حقوق تولي المناصب التي كان يطالب بها هنري الرابع، وكسب معونة هؤلاء الرجال حتى على البابوات أنفسهم (٢١). ونعمت ألمانيا بما ناله من مجد، وسرها أن تستدعيه من إيطاليا، واغتبطت بمواكب الفرسان التي كانت تسير في حفلات