فعبر جبال الألب (١٣١٠) بمعونة ضئيلة من الأشراف الألمان وقوة صغيرة من فرسان الوالون Walloon، ورحبت به كثير من مدن لمبارديا، وكانت قد سئمت حرب الطبقات ونزاع المدن بعضها مع بعض، وتاقت نفسها إلى التحرر من سلطان الكنيسة عليها. ورحب دانتي بالغزاة برسالة عن الملكية، أعلن فيها بشجاعة تحرر السلطة الزمنية من السلطة الروحية، وطلب فيها إلى هنري أن ينقذ إيطاليا من سيطرة البابوية، ولكن الجلف من أهل فلورنس أصبحت لهم الغلبة في البلاد، وسحبت المدن المشاكسة تأييدها، ومات هنري، وهو محوط بالأعداء، بحمى الملاريا وهي الداء الذي تجزي به إيطاليا بلين الفنية والفنية عاشقيها المملقين.
وصدت ألمانيا في الجنوب حواجز من طبيعة الأرض، واختلاف العنصر، واللعنة، فوجدت لها مخرجاً وتعويضاً في جهة الشرق، فاستردت الهجرات والفتوح والاستعمار الألماني والهولندي ثلاثة أخماس ألمانيا من الصقالبة؛ وانتشر الألمان الكثير والنسل على ضفتي الدانوب ووصلوا هنغاريا ورومانيا؛ وأقام التجار الألمان أسواقاً وثغوراً في فرانكفورت على الأودر، وفي برسلاو، وبراج، ودانترج وريجا ودوربات Dorpt وريفال Reval، ومراكز تجارية في كل مكان في الرقعة الممتدة من بحر الشمال والبحر البلطي إلى جبال الألب والبحر الأسود. لقد كانت فتوحهم وحشية، ولكن النتائج أدت إلى رقي لا يستطاع تقديره في حياة سكان الحدود الاقتصادية والثقافية.
وكان انهماك الأباطرة في هذه الفترة السالفة الذكر في شئون إيطاليا، وحاجتهم المتكررة إلى ضمان تأييد الأشراف والفرسان، أو مكافأتهم على هذا التأييد بهبات الأرض أو السلطان، وما طرأ على سلطة الملوك الألمان من الضعف بسبب مقاومة البابا لهم وخروج اللمبارد عليهم، كان هذا كله قد ترك الأشراف أحراراً يتملكون الأرض في الريف، وينزلون الفلاحين منزلة الرقيق؛ فعلاً بذلك شأن الإقطاع في القرن الثالث عشر في ألمانيا بينما كان سلطان الملوك يقضي عليه