وهكذا نشأت في إنجلترا طبقة الأشراف الجدد الذين لا يزال أبناؤهم من حين إلى حين يسمون بأسماء فرنسية، وانتشر الإقطاع الذي كان من قبل ضعيفاً نسبياً في طول البلاد وعرضها، وحول الشعب أرقاء الأرض. وجعلت الأرض كلها ملكاً للملك، ولكنه سمح للإنجليز الذين استطاعوا أن يبرهنوا على أنهم لم يقفوا في وجه الفاتحين بأن يعودوا إلى شراء أرضيهم من الدولة. وأراد وليم أن يسجل مغانمه ويعرفها، فأرسل عماله في عام ١٠٨٣ ليسجلوا اسم مالك كل قطعة من الأرض في إنجلترا، وحالها، ومحتوياتها؛ وقد ورد في هذا السجل أن الملك "شدد عليهم في أوامره تشديداً لم تبق معه ياردة واحدة من الأرض، لا … بل ولا ثور أو بقرة، أو خنزير، لم يكتب في سجله"(٢٦). وكانت نتيجة هذا العمل هو كتاب الأحكام وهو اسم ينذر بما سيكون له من شأن خطير إذ أصبح هو "الحكم" الأخير في جميع المنازعات العقارية. وأراد وليم أن يضمن لنفسه معونة البلاد الحربية، ويحد من سلطان أتباعه العظام، فاستقدم إليه جميع كبار الملاك في إنجلترا- وكان عددهم ستين ألفاً- إلى اجتماع عقد في سلزبري Salisbury (١٠٨٦) ، وجعل كل واحد منهم يقسم يمين الإخلاص التام للملك. وكان عمله هذا احتياطاً حكيماً ضد الإقطاعية الفردية التي كانت وقتئذ تقطع أوصال فرنسا.
وبعد فلابد للإنسان أن يتوقع قيام حكومة قوية بعد الفتح. وهذا ما حدث في إنجلترا وقتئذ، فقد أقام وليم أو خلع فرساناً ونبلاء، وأساقفة ورؤساء أساقفة وأديرة؛ ولم يتردد لحظة في أن يزج في السجن لوردة عظماء. وأن يتمسك بما له من حق تعيين رجال الدين في مناصبهم. ويقاربه في هذه الناحية جريجوري السابع الذي كان مثله ذا حول وطول، والذي كان في هذا الوقت عينه يستقدم الإمبراطور هنري الرابع إلى كنوسا Canossa (١) . وأراد الملك أن يمنع الحرائق
(١) يشير المؤلف هنا إلى مذله كنوسا وسيرد ذكرها فيما بعد. المترجم