ما وصل إليه الأدب في أسفار العهد القديم، في فقرات تعد من أروع ما كتب من النثر في أدب العالم كله:
"الرب يدخل في المحاكمة مع شيوخ شعبه ورؤسائهم، وأنتم قد أكلتم الكرم. سلبُ البائس في بيوتكم. ما لكم تسحقون شعبي وتطحنون وجوه البائسين؟ … ويل للذين يصلون بيتاً ببيت، ويقرنون حقلاً بحقل حتى لم يبق موضع، فصرتم تسكنون وحدكم في وسط الأرض! … ويل للذين يقضون أقضية البطل، وللكتبة الذين يسجلون زورا ليصدوا الضعفاء عن الحكم، ويسلبوا حق بائسي شعبي لتكون الأرامل غنيمتهم، وينهبوا الأيتام. وماذا تفعلون في يوم العقاب حين تأتي التهلكة من بعيد؟ إلى من تهربون للمعونة؟ وأين تتركون مجدكم؟ "(١١٠).
وهو يزدري أشد الازدراء من يتظاهرون في العالم بالتقوى وهم يبتزون أموال الفقراء:
"لماذا لي كثرة ذبائحكم؟ يقول الرب أتخمت من محرقات كباش وشحم مسمنات … رؤوس شهوركم وأعيادكم بغضتها نفسي. صارت عليَّ ثقلاً. مللت حملها. فحين تبسطون أيديكم أستر عيني عنكم، وإن كثرتم الصلاة لا أسمع. أيديكم ملآنة دماً. اغتسلوا تنقوا. اعزلوا شر أفعالكم من أمام عيني، كفوا عن فعل الشر. تعلموا فعل الخير. اطلبوا الحق. انصفوا المظلوم. اقضوا لليتيم. حاموا عن الأرملة"(١١١).
وهو ممتلئ القلب حقداً، ولكنه غير يائس من شعبه؛ وكما أن عاموس قد ختم مواعظه بنبوءة، يحاول اليهود الآن تحقيقها وهي عودتهم إلى بلادهم (١١٢)، كذلك يختتم إشعيا مواعظه بترديد أمل اليهود في ظهور من يقضي على ما بينهم من انقسام سياسي، وخضوع للأجنبي، وما هم فيه من بؤس وشقاء، ومن يعيد إلى الأرض الإخاء والسلام: