"ها! العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل … لأنه يولد لنا ولد ونُعطى ابناً، وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيباً مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام … ويخرج قضيب من جذع يسى … ويحل عليه روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب … يقضي بالعدل للمساكين، ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض، ويضرب الأرض بقضيب فمه، ويميت المنافق بنفخة شفتيه، ويكون البر منطقة مثنيه، والأمانة منطقة حقويه، ويسكن الذئب مع الخروف، ويربض النمر مع الجدي، والعجل والشبل والمسمن معاً، وصبي صغير يسوقها … فيطبعون سيوفهم سككا، ورماحهم مناجل، لا ترفع أمة على أمة سيفاً، ولا يتعلمون الحرب فيما بعد"(١١٣).
ذلك إلهام جد عجيب؛ ولكنه إلهام لن يعبر عن مزاج اليهود حتى تمر بهم أجيال كثيرة. وكان كهنة الهيكل ينصتون بعطف مكظوم إلى هذه الدعوة النافعة التي تحث الناس على التقى والصلاح؛ وكانت شيع من اليهود تتطلع إلى هؤلاء الأنبياء تتلقى عنهم هذه الدعوة الملهمة؛ ولعل هذا الأقوال التي تدعوهم إلى نبذ الشهوات الجسمية كان لها بعض الأثر في تقوية ما أوجدته الصحراء في اليهود من نزعة إلى التزمت في الدين. غير أن حياة القصور والخيام، والأسواق والحقول، ظلت في أغلب الأحيان تجري على سننها القديم؛ فكانت الحرب تقضي على من تصطفي من كل جيل، وظل الاسترقاق مصير الغريب، وظل التاجر يطفف الكيل ويغش في الميزان، ثم يحاول التكفير عن ذنبه بالتضحية والصلاة (١١٤).
وترك الأنبياء أعمق آثارهم في يهودية ما بعد التقى، ثم في العالم كله عن طريق اليهودية والمسيحية. وفي أسفار عاموس وإشعيا نرى بداية المسيحية والاشتراكية والمعين الذي فاضت منه الدعوات إلى إقامة عالم مطهر من الشرور لا يطوف به طائف الفقر أو الحرب فيكدر ما فيه من أخوة وسلام.
وهذه الأسفار هي منشأ العقيدة اليهودية الأولى التي تقول بمجيء مسيح