للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقبض على زمام الحكم، ويعيد إلى اليهود سلطانهم الدنيوي، ويجعل الصعاليك المملقين الحاكمين بأمرهم في العالم كله. وكان إشعيا وعاموس هما اللذين بدآ في عصر الحروب يمجدان فضائل البساطة والرحمة والتعاون بين الناس والإخاء، وهي الفضائل التي جعلها عيسى أساساً جوهرياً لدينه. وكانا أول من اضطلع بذلك العبء الثقيل عبء تحويل رب الجنود إلى إله حب وهما اللذان جندا يهوه واستعاناه على نشر المبادئ الإنسانية، كما جند المسيح متطرفو الاشتراكيين في القرن التاسع عشر ليستعيناه على نشر المبادئ الاشتراكية. وهما اللذين بثا في عقول الألمان- بعد أن طبعت التوراة في أوربا- الإيمان بمسيحية جديدة وأوقدا شعلة الإصلاح الديني، وكانت فضائلهم القوية غير المتسامحة هي التي أخرجت طائفة المتطهرين المسيحيين. وكانت فلسفتهم الأخلاقية تقوم على نظرية أجدر من غيرها بالتسجيل- وهي أن الطيب سوف يوفق وينجح، وأن الخبيث سوف يصرع؛ وقد تكون هذه نظرية مخادعة، ولكن ما فيها من خداع- إن كان فيها خداع- هو خداع العقل النبيل. ولئن كان هؤلاء الأنبياء لا يتصورون الحرية أو يفكرون فيها، فإنهم كانوا يحبون العدالة ويدعون إلى القضاء على ما كان يضعه الأسباط من قيود على الأخلاق الطيبة. ولقد أقاموا أمام البائسين في العالم أملاً في التآخي، كان تراثاً غالياً، ظلوا يتوارثونه على مدى الأجيال (١).


(١) يتبين القارئ من هذا الفصل أن دولة اليهود لم تمكث في فلسطين في الزمن القديم إلا فترة وجيزة، فقد قامت في عهد شاول وبلغت أوجها في عهد خلفة داود ودب فيها الضعف في عهد سليمان وانقسمت من بعده ثم زالت زوالاً سريعاً من الوجود. ترى هل هذه الفترة الوجيزة تكفي لأن تجعل ليهود اليوم حقاً في الاستيلاء على فلسطين وإخراج أهلها منها بعد أن قاموا فيها أربعة وعشرون قرناً من الزمان؟ هذا والله منطق غريب لو صح لكان من حق العرب أن يستولوا على أسبانيا وجزء كبير من فرنسا وصقلية وجنوبي إيطاليا، وقد حكموا بعضها أكثر مما حكم اليهود فلسطين. (المترجم)