كل هذا صحيح ولكنه نص على الحقوق الأساسية وحماها، وقرر عدم إطاعة حبس إنسان بلا محاكمة، كما أقر نظام المحلفين، وأعطى البرلمان الناشئ سلطة على المال اتخذتها الأمة فيما بعد سلاحاً لمقاومة الاستبداد، وبدل الملكية المطلقة ملكية دستورية مقيدة.
بيد أن جون لم يفكر قط في أنه قد خلد اسمه بالنزول عن سلطاته ومطالبه الاستبدادية، فقد وقع العهد وهو مرغم، وأخذ غداة توقيعه يأتمر لإلغائه. فقد لجأ إلى البابا، وكانت سياسة إنوسنت الثالث وقتئذ تهدف إلى استعانة إنجلترا على فرنسا، فخف لمعونة تابعه الذليل المهان بأن أعلن أن العهد باطل لا قيمة له، وأمر جون ألا يخضع لشروطه، كما أمر الأشراف ألا ينفذوها، فلما رفض البارونات إطاعة أمره، أصدر قراراً بحرمانهم هم وأهل لندن والثغور الخمسة؛ غير أن استيفن لانجتن الذي كانت له اليد الطولى في صياغة العهد أبى أن ينشر قرار الحرمان؛ وقرر مبعوثو البابا في إنجلترا وقف لانجتن عن العمل، وأذاعوا قرار البابا، وجندوا جيشاً من المرتزقة في فلاندزر وفرنسا، وهاجموا النبلاء الإنجليز، وأعملوا فيهم النار والسيف، والسلب والقتل والفسق. ويبدو أن الأشراف لم يلقوا من الشعب معونة خليقة بأن يعتمدوا عليها؛ ولهذا فإنهم بدل أن يقاوموا الغزاة بقواهم الإقطاعية، دعوا لويس ابن ملك فرنسا ليغزو إنجلترا، ويدافع عنهم، ويستولي على عرش البلاد جزاء له على عمله؛ ولو نجحت هذه الخطة لأصبحت إنجلترا جزءاً من فرنسا. وحذر مبعوثو البابا لويس من عبور القناة، فلما خالف أمرهم حرموه هو وجميع أتباعه من حظيرة الدين. ووصل لويس إلى لندن، وتقبل ولاء البارونات وخضوعهم، ولكن جون انتصر في كل مكان وخارج عن مدينة لندن التجارية، وكان حين ينتصر قاسياً مجرداً من الرحمة، ولكنه وهو في عنفوان نشاطه ونصره أصيب بزحار البطن، واتخذ طريقه وهو في شدة