إخفاق الحروب الصليبية. وظل النزاع قائماً بين جنوى والبندقية حتى عام ١٣٧٩، حين منيت جنوى بهزيمة ساحقة لا تقل في ذلك عما لحق ببيزا على يديها قبل ذلك بمائة عام.
وكانت ميلان أغنى مدائن لمباردية وأقواها؛ وكانت من قبل إحدى العواصم الرومانية، ولهذا كانت تفخر بقدم عهدها وتقاليدها. ذلك أن قناصل جمهوريتها قد تحدوا الأباطرة، وأساقفتها تحدوا البابوات، وآوى أهلُها الملحدين الذين تحدوا المسيحية نفسها أو اشتركوا معهم في إلحادهم. وكان فيها في القرن الثالث عشر مائة ألف من الأهلين، وثلاثة عشر ألف بيت وألف حانة (٢٤). وكانت هي مولعة بالحرية حريصة عليها، فلم تتخل عنها راضية إلى غيرها، وكان جنودها يطوفون بالطرق ليرغموا القوافل، أياً كانت وجهتها، على أن تعرج على ميلان أولاً. وقد دمرت كومو ولودي Lodi، وحاولت أن تخضع بيزا، وكرمونا، وبافيا، ولم تركن إلى السكون حتى سيطرت على جميع تجارة نهر البو (٢٥). ووقف رجلان من أهل لودي أمام كنستانس عام ١١٥٤ وتوسلوا إلى فردريك بربروسه أن يحمي مدينتهم؛ وبعث الإمبراطور إلى ميلان يحذرها من مواصلة العدوان على لودي؛ فرفضت المدينة رسالته في سخرية ووطئتها بالأقدام. واغتنم فردريك هذه الفرصة ليحقق رغبته التي طالما تاقت نفسه إليها وهي تدمير ميلان (١١٦٢)، ولم تمض خمس سنين على هذا التدمير حتى أعاد الباقون من أهلها هم وأصدقاؤهم بناء المدينة، وابتهجت لمباردية جميعها ببعثها، ورأت فيه رمزاً لتصميم إيطاليا علة ألا يحكمها قط ملك ألماني. وخضع فردريك، ولكنه قبل أن يموت زوج ابنه هنري السادس من كنستانس ابنة روجر الثاني ملك صقلية؛ ووجدت العصبة اللمباردية في ابن هنري رجلاً أشد رهبة من فردريك.