وجنة وسط برية من الأشواك" (٣٠)، وشرع في عام ١٢٢٣ يشيد في فجيا القصر الحصين الهائل الذي لم يبق منه اليوم إلا مدخله؛ وسرعان ما قامت حول بيته مدينة من القصور يسكنها أعوانه، ودعا أشراف مملكته الإيطالية ليكونوا وصفاء في بلاطه، وما زالوا يرقون في خدمته حتى كان منهم عماله الذين تولوا شؤون الحكومة الإدارية. وكان على رأس هؤلاء جميعاً بيرو دلي فجني Piero delle Vigne خريج مدرسة الحقوق في بولونيا. وقد عينه فردريك أميناً على بيت المال وأحبه كحبه أبنه أو أخاه، وحل رجال القانون محل رجال الدين في دولاب الحكم في باريس بعد سبعين عاماً من ذلك الوقت؛ فهنا في أقرب الدول إلى كرسي القديس بطرس انتقل الحكم انتقالاً تاماً من أيدي رجال الدين إلى أيدي رجال الدنيا.
وإذ كان فردريك قد نشأ في عصر الفوضى، وتشبع بالآراء الشرقية، فإنه لم يخطر بباله قط أن النظام المعروف باسم الدولة يستطاع المحافظة عليه بغير سلطان الملوك. ويبدو أنه كان يعتقد مخلصاً أنه إذا انعدمت السلطة المركزية القوية أهلك الناس أنفسهم، أو افتقروا المرة بعد المرة بسبب الإجرام والجهل، والحرب؛ وكان مثل بربروسه يرى أن نظام المجتمع أعظم قيمة من حرية الشعب، ويحس أن الحاكم الحازم الذي يستطيع المحافظة على النظام يستمتع بكل ما في ملكه من نعيم. وكان يسمح للشعب بقدر من التمثيل في حكومته: فقد أنشأ جمعيات تنعقد مرتين كل عام في خمسة مواضع من مملكته، لتعالج المشاكل، والشكاوي والجرائم المحلية. ولم يدع إلى هذه الجمعيات أشراف الإقليم ومطارنته فحسب، بل كان يدعو إليها بالإضافة إليهم أربعة مندوبين عن كل مدينة كبيرة، ومندوبين اثنين عن كل بلدة. أما فيما عدا هذا فقد كان فردريك ملكاً مطلق السلطان، يرى أن القاعدة الأساسية التي يقوم عليها القانون الروماني- وهي أن الأهلين قد عهدوا إلى الإمبراطور دون غيره الحق المطلق في التشريع-