برأسه جدران سجنه حتى مات (١٢٤٩). وجاءته الأنباء في تلك السنة نفسها أن سكان بولونيا قد أسروا إنزيو في المعركة التي قامت عند لافسالتا La Fossaalta، وحدث في الوقت عينه أن حاول طبيب فردريك أن يقتله بالسم؛ وحطمت هذه الضربات المتوالية السريعة روح الإمبراطور، فارتد إلى أبوليا ولم يشترك بعدئذ في الحرب القائمة. وانتصر قواده في عدة معارك عام ١٢٥٠، ولاح أن الحظ قد عاد يواتيه. فقد طلب القديس لويس وهو في أسر المسلمين في مصر إلى إنوسنت الرابع أن يضع حداً للقتال حتى يستطيع فردريك أن يخف لنجدة الصليبيين. ولكن صحة الإمبراطور أخذت في الوهن ولم تفدها هذه الآمال المنعشة، فقد حطم الزحار - وهو البلية التي طالما أذلت ملوك العصور الوسطى -، جسم الإمبراطور المتغطرس. وطلب أن تغفر له ذنوبه، فأجيب إلى طلبه، ولبس الإمبراطور الملحد مسوح الرهبان السسترسيين، ومات في فلورنتينو في الثالث عشر من ديسمبر سنة ١٢٥٠. وتهامس الناس بأن روحه قد حملتها الشياطين واخترقت بها فوهة بركان إتنا إلى الجحيم.
ولم يظهر بعد موته ما له من نفوذ، فسرعان ما انهارت إمبراطوريته، وتفشت فيها الفوضى أشد مما كانت عليه حين جلس على عرشها. واختفت الوحدة التي قضي حياته يحارب من أجلها حتى من ألمانيا نفسها، وسارت المدن الإيطالية في ركب الحرية وقوتها الناشطة المبدعة، وسلكت طريق الفوضى، فأدى بها إلى استبداد الأدواق والزعماء اللصوص الذين ورثوا، وهم لايكادون يدركون، فساد فردريك الخلقي، وحريته الفكرية، ومناصرته الآداب والفنون. والحق أن ما كان يتصف به طغاة عصر النهضة من ذكاء قوى مجرد من الضمير كان صدى لخلق فردريك وعقله خالياً من ظرفه وفتنته. وإنا لنستبين في تفكير فردريك وفي حاشيته حلول الكتب اليونانية والرومانية القديمة محل الكتاب المقدس، والعقل محل الإيمان، والطبيعة محل الله، والضرورة محل العناية الإلهية،