أقوام العصور الوسطى عدد لا يحصى من أعوانه الأبالسة، يحومون حول كل نفس، ويعملون دائبين على جرها إلى ارتكاب الإثم. وهؤلاء أيضاً يحبون أن يضاجعوا النساء اللاتي يهملن أنفسهن، أو ينمن وحدهن، أو ينقطعن للدين والعبادة (١٠). وقد وصف الراهب ريكالم Richalm أولئك الأبالسة بأنهم "ويملاؤن العالم كله، وأن الهواء كله ليس إلا كتلة سميكة منهم يترصدوننا في كل زمان ومكان .... ومن أعجب العجائب أن يبقى واحد منا حيا يرزق، ولولا رحمة الله لما نجا أحد من شرهم"(١١). وكان الناس كلهم تقريباً بما فيهم الفلاسفة أنفسهم يؤمنون بهذا العدد الجم من الأبالسة والشياطين، ولكن روح الفكاهة المنجية كانت تخفف من رهبة هذا الإيمان بهم، وكان كثير من الرجال ذوي العقول المتزنة ينظرون إلى أولئك الأبالسة الصغار على أنهم جماعة من الخبثاء أكثر منهم خلائق مروعين. وكان من العقائد الشائعة أو أولئك الأبالسة يتدخلون تدخلاً مسموعاً، ولكنه غير منظور، في أحاديث الناس، ويخرقون أثوابهم، ويلقون بالأقذار على عابري السبل. ويقال إن شيطاناً متعباً جلس مرة على خمسة فأكلتها راهبة وهي لا تدري ما تفعل (١٢).
وأكثر رهبة من العقيدة السالفة الذكر الاعتقاد بأن "كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون"(الآية ١٤ من الإصحاح ٢٢ من إنجيل متى). وكان المؤمنون المستمسكون بدينهم يعتقدون أن الكثرة الغالبة من الجنس البشري ستتردى في الجحيم (١٣)، وكان كثيرون من رجال الدين المسيحيين يؤمنون بحرفية القول المعزو إلى المسيح:"من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يدن"(مرقس إصحاح ١٦ الآية ١٦). ووصل القديس أوغسطين على الرغم منه إلى النتيجة القائلة إن من مات من الأطفال قبل التعميد مآله النار (١٤)، وكان القديس آنسلم يظن أن ليس في عذاب الأطفال غير المعمدين (الآثمين لأن آدم وحواء قد ارتكبوا الإثم) من المخالفة للعقل والمنطق أكثر مما في فرض الرق على