وكلف قس فاسق بإحدى النساء، فلما عجز عن استمالتها إليه احتفظ بجسم المسيح الطاهر في فمه بعد القربان، لعله إذا قبلها والجسم في فمه استجابت إلى رغبته بقوة القربان المقدس … ولكنه لما أراد أن يخرج من الكنيسة خيل إليه أن جسمه قد تضخم حتى اصطدم رأسه بسقفها" فدفن الخبر المقدس في أحد أركان الكنيسة، واعترف بعدئذ بما حدث لقس آخر، فأخرجا الخبز من الأرض فوجداه قد استحال إلى صورة رجل مصلوب يقطر منه الدم (٥٢). واحتفظت إحدى النساء بالخبز المقدس في فمها وهي في طريقها من الكنيسة إلى بيتها، ثم وضعته في قفير نحل لتقلل بذلك من عدد ما يموت من نحلها، فما كان من النحل "إلا أن بنى لضيفه العزيز من أحلى ما يخرجه من الشهد معبداً صغيراً بديع الصنع (٥٣) " وملأ البابا جريجوري الأول مؤلفاته بقصص من هذا القبيل. ولعل الناس، أو المتعلمين منهم، كانوا يشكون في هذه القصص ويرون أنها أقاصيص مسلية طريفة وليست أسوأ من القصص العجيبة التي يطرد بها الملوك ورؤساء الجمهوريات في الوقت الحاضر الأم عن أنفسهم ويريحون بها عقولهم المجهدة، ولعل السذج في العصور الخالية لم يقبلوا أكثر من تبديل نوعها لا مداها، وإن في كثير من أقاصيص العصور الوسطى لشواهد على إيمان أهل تلك العصور إيماناً يحدث في النفس أعمق الأثر، وحسبنا أن نذكر منها أنه لما عاد البابا ليو التاسع المحبوب إلى إيطاليا بعد رحلة الإصلاح التي قام بها في فرنسا وألمانيا انشق له نهر أنين Aniene كما انشق البحر الأحمر لموسى ليستطيع أن يجتازه (٥٤).
وترجع قوة الدين المسيحي إلى أنه يعرض على الناس الإيمان لا المعرفة، والفن لا العلم، والجمال لا الحقيقة، وقد فضله الناس في صورته هذه، وكانوا يرون أن ليس فيهم من يستطيع أن يجيب عن أسئلتهم، ولهذا كانوا يشعرون بأن من الحزم أن يؤمنوا بالأجوبة التي ينطق بها رجال الدين، ويؤكدوها توكيداً