في حياة الأهلين الذين لا يميلون بفطرتهم إلى السلم والنظام بالحركات المنبعثة عن التقى، والصلاح، والمناظر التي تسمو بأرواحهم إلى أعلى الدرجات. ولم تكن الكنيسة تقيم تعاليمها الأخلاقية، التي تصل إليها عن طريق العقائد الدينية على الجدل المؤدي إلى الإقناع، بل كانت تلجأ في الوصول إلى هذا الغرض إلى الحواس عن طريق التمثيل، والموسيقى، والتصوير، والنحت، والعمارة، والقصص، والشعر ولا يسعنا إلا أن نعترف أن الالتجاء إلى العواطف على هذا النحو أكثر نجاحاً وأهدى إلى الغرض- شراً كان أو خيراً- من الالتجاء إلى العقل المتقلب ذي النزعة الفردية. ولقد أوجدت الكنيسة بالتجائها إلى هذا فن العصور الوسطى.
وكانت أعظم المهرجانات ما يقام منها عند أماكن الحج. فقد كان الرجال والنساء يحجون ليكفروا عن ذنب أو يوفوا بنذر، ويطلبوا شفاءاً من داء بإحدى المعجزات، أو ينالوا غفراناً، وما من شك في أنهم كانوا يسعون، كما يسعى السياح في هذه الأيام، ليشاهدوا بلدانا جديدة ومناظر جديدة، وليقوموا في طريقهم بمغامرات تطرد ما يلقونه في حياتهم الضيقة للرتيبة من ملل وسآمة. وكان هناك عشرة آلاف مكان معترف بجواز الحج إليها في أواخر القرن الثالث عشر. وكان أكثر الحجاج شجاعة يؤمون فلسطين النائية، ومنهم الحفاة ومنهم من لا يلبسون إلا قميصاً
واحداً، وكانوا يحملون في الصلاة، صليباً، وعكازاً، وكيساً من النقود تناولوها كلها من يد قيسي. وحدث في عام ١٠٥٤ أن سار ليدبيرت Leidbert أسقف كمبريه على رأس ثلاثة آلاف حاج إلى بيت المقدس، وفي عام ١٠٦٤ سار كبير أساقفة كولوني، ومينز، وأساقفة اسباير، وبامبرج، وأوترخت إلى بيت المقدس أيضاً، ومن ورائهم عشرة آلاف مسيحي هلك منهم ثلاثة آلاف في الطريق، ولم يعد منهم إلى أوطانهم سالمين إلا ألفان، وعبر حجاج آخرون جبال البرانس، أو جازفوا بحياتهم في المحيط الأطلنطي