للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبذل ما في وسعه لتحسين تربية رجال الدين وتعليمهم، وقد رفع من منزلتهم الاجتماعية حين عرف الكنيسة بأنها ليست جميع المؤمنين المسيحيين بل هي جميع رجال الدين المسيحيين، وقاوم عادة استيلاء الأساقفة أو رؤساء الأديرة على العشور التي تجمع من الأبرشيات وحرمان قساوسة الأبرشية منها (١٢٦). وعمل على إصلاح ما كان في أديرة الرجال والنساء من تراخ وإهمال بأن نظم زيارات متتابعة لهذه الأديرة لمعرفة أحوالها والتفتيش عليها. واستطاع بفضل ما وضعه من التشريعات أن يحدد العلاقة بين رجال الدين وغير رجال الدين، وبين القساوسة والأساقفة، والأساقفة والبابوات. ورفع من شأن المجلس البابوي فجعله محكمة قديرة للمشورة، والإدارة، والقضاء، حتى أضحت وقتئذ أقدر هيئة حاكمة في زمانها، وقد ساعدت إجراءاتها ومصطلحاتها على تشكيل فن الدبلوماسية وطرائقها. وأكبر الظن أن إنوسنت نفسه كان أعظم أهل زمانه تبحراً في القانون، وأنه كان قادراً على أن يجد في المنطق والسوابق سنداً قانونياً لكل قرار يصدره. وكان العلماء والمشترعون يهرعون إلى "مجمع الكرادلة" حيث كان يرأس هذه الهيئة بوصفها المحكمة الكنسية العليا، ليفيدوا من نقاشها وأحكامها في المسائل القانونية المدنية والدينية، وقد اسماه بعضهم "أبا القانون Pater Iuris (١٢٧) ، وأسماه آخرون حباً وتفكهاً سليمان الثالث (١٢٨).

وكان آخر ما ناله من نصر بوصفه مشترعاً وبابا أن رأس في عام ١٢١٥ مجلس لاتران الرابع الذي عقد في كنيسة القديس يوحنا بروما. وأقبل على هذا المجلس العام الثاني عشر ألف وخمسمائة من رؤساء الأديرة، والأساقفة، ورؤساء الأساقفة، وغيرهم من علية رجال الدين والمندوبين فوق العادة من جميع الأمم ذات الشأن في العالم المسيحي المتحد. وكانت خطبة الافتتاح التي ألقاها البابا اعترافاً وتحدياً غاية في الجرأة إذ قال "إن أكبر سبب في فساد الخلق هو فساد رجال الدين أنفسهم، وهذا هو مصدر كل ما في العالم المسيحي من شرور: فقد