للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يحاولون كما يحاول بابوات رومة أن يعيدوا ما عجز الكهنة عن إنقاذه. ومن ثم كان وضوح الوصية الأولى وما فيها من تكرار ونصها على أن الكفر وذكر الله بما لا يليق يعاقب عليهما بالإعدام ولو كان الكافر أقرب أقرباء الإنسان (١٦١). ذلك أن الكهنة الذين وضعوا القانون كانوا يعتقدون كما يعتقد رجال محاكم التفتيش الأتقياء أن الوحدة الدينية شرط أساسي لقيام النظام والتضامن الاجتماعيين. وكان هذا التعصب الديني منضماً إلى الكبرياء الجنسي هو الذي أبقى على اليهود وأوقعهم في كثير من المشاكل.

وسمَت الوصية الثانية بفكرة الله بقدر ما حطّت من شأن الفن، إذ حرّمت أن تصور له أية صورة منحوتة. وقد افترضت هذه الوصية وجود مستوى عقلي راق لدى اليهود، لأنها نبذت كل الخرافات كما نبذت فكرة تجسد الإله، وحاولت أن تصور الله منزهاً عن جميع الأشكال والصور بالرغم من الصورة البشرية المحضة التي ترسمها ليهوه أسفار موسى الخمسة. وهي تخص الدين بكل ما تنطوي عليه قلوب العبرانيين من إخلاص وولاء، ولا تترك فيهما- في الأيام القديمة- مكاناً للعلم والفن. وحتى علم الفلك نفسه قد أهمل أمره لكيلا يزداد عدد الآلهة الزائفين أو تعبد النجوم وتتخذ آلهة من دون الله. وكان في هيكل سليمان قبل ذلك العهد عدد من الصور والتماثيل يكاد يجل عن الحصر (١٦٣)؛ أما الهيكل الجديد فلم يكن فيه شيء منها. ذلك أن التماثيل والصور القديمة قد نقلت من قبل إلى بابل، ويبدو أنها لم تعد مع ما أعيد من آنية الفضة والذهب (١٦٤). ومن أجل هذا لا نجد نحتاً ولا تصويراً ولا نقشاً بعد الأسر البابلي، كما لا نجد إلا القليل منها قبل الأسر إذا استثنينا عهد سليمان الذي يكاد أن يكون عهداً أجنبياً عن العبرانيين. وكل ما كان الكهنة يجيزونه من الفنون فنا العمارة والموسيقى؛ وكانت الأغاني والمراسم التي تقام في الهيكل هي التي تخفف من أكدار حياة الشعب وشقائه، فكانت فرقة موسيقية معها مختلف الآلات تنضم