للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المرض (١٥٦)، ولكن يلوح أنهم لم يكونوا يعرفون من الجراحة غير عملية الختان، ولم تكن هذه السنة الدينية- الشائعة بين المصريين الأقدمين، وبين الساميين المحدثين- مجرد تضحية لله وفريضة يفرضها الولاء للجنس (١)، بل كانت فوق هذا وقاية صحية من الأقذار التي تتعرض لها الأعضاء التناسلية (١٥٨). ولعل ما في الشريعة من قواعد خاصة بالنظافة هو الذي أبقى على اليهود خلال تجوالهم الطويل وتشتتهم ومحنتهم.

أما ما بقي من شريعة موسى فيدور كله حول الوصايا العشر (سفر الخروج الآيات ١ - ١٧ من الأصحاح العشرين) التي قدر لها أن يرددها نصف سكان العالم (٢). وتضع الوصية الأولى أساس المجتمع الديني الجديد، وهو المجتمع الذي لا يقوم على أي شريعة مدنية بل على فكرة الله وهو الملك القدوس الذي لا تدركه الأبصار، والذي أنزل كل قانون، وفرض كل عقوبة، والذي سُمّي شعبُه بعدئذ شعب إسرائيل أي المدافعين عن الله.

لقد قامت الدولة العبرية ولكن الهيكل ظل باقياً، وشرع كهنة يهوذا


(١) وذلك لأن هذه العادة تجعل من المستحيل على اليهودي أن يخفي عن الناس حقيقة أمره. ويقول برفولت Briffault: " إن هذه السنة اليهودية لم تتخذ صورتها التي هي عليها الآن إلا في عهد متأخر كثيراً هو عهد المكابيين (١٦٧ ق. م). وفي ذلك الوقت كانت العملية تجرى بطريقة تجعل في مقدور اليهوديات أن يتقين استهزاء غير اليهوديات منهن إذ كانت هذه العملية يعمل بحيث لا يدرك الإنسان أنها عملت، ولهذا أمر الكهنة الوطنيون أن تزال الغلفة عن آخرها" (١٥٧).
(٢) كان من المألوف في الأزمان القديمة أن تعزى كتب القوانين إلى الوحي الإلهي. ولقد رأينا من قبل كيف كانت قوانين مصر القديمة تعزى إلى الإله تحوت، وكيف أنزل شمش إله الشمس قانون حمورابي. كذلك أعطى أحد الأرباب الملك مينوس على جبل دكتا القوانين التي حكمت بمقتضاها جزيرة كريت. وكان اليونان يمثلون ديونيسس الذي يسمونه أيضا "المشرع" وأمامه منضدتان حجريتان نقشت عليهما القوانين، ويقول أتقياء الفرس أن زردشت كان في يوم من الأيام يصلي على جبل عال فتبدى إليه أهورا- مزدا بين الرعود والبروق، وأنزل عليه "كتاب القانون" (١٥٩). وفي هذا يقول ديودور الصقلي: "لقد فعلوا كل هذا لأن الفكرة التي تسمو بالبشرية فكرة رائعة قدسية؛ أو لأن السوقة تكون أكثر طاعة للقوانين إذا حولت أبصارها إلى ما يمنع به من تعزى إليهم من جلال وسلطان" (١٦٠).