للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأبعدها عن المقصود منها، ذلك أن أهميتها ليست فيما تقصه من قصص، بل فيما تعرضه من أحكام. ومع ذلك فليس من العقل في شيء ألا يستمتع الإنسان ببساطتها التي تخلب اللب وبقصصها الواضحة وأحداثها السريعة.

وكانت الأسفار التي تليت على الشعب بأمر يوشيا وعزرا هي التي صيغت منها القوانين "الموسوية" التي قامت عليها الحياة اليهودية كلها فيما بعد. ويقول سارتن Sarton، وهو المعروف بشدة حرصه فيما يكتب، معلقاً على هذه الشرائع: " إن أهميتها في تاريخ الأنظمة والقوانين تفوق كل تقدير" (١٤٩). لقد كانت أكبر محاولة في التاريخ لاتخاذ الدين قاعدة لسياسة الأمم وأداة لتنظيم كل صغيرة وكبيرة في الحياة كلها. وفي ذلك يقول رينان Renan: " لقد صارت تلك الشريعة أضيق رداء شد على جسم الحياة الإنسانية" (١٥٠)، فقد جعلت الطعام (١)، والدواء، والشئون الصحية الفردية، وشئون الحيض والولادة، والشئون الصحية العامة، والانحراف الجنسي والشهوات البهيمية (١٥٢)، كل هذه جعلتها من موضوعات الفروض والهداية الإلهية. وفيها نشهد مرة أخري كيف أخذ الطبيب يفترق افتراقاً بطيئاً عن الكاهن (١٥٣) - ليصبح فيما بعد ألد أعدائه. فترى سفر اللاويين يحرص أشد الحرص على وضع القوانين الخاصة لعلاج الأمراض التناسلية، ويعنى بها أشد العناية، فينص على عزل المصابين وما يتطلبه علاجهم من تطهير وتبخير بل وحرق المنزل الذي فشا فيه المرض عن آخره إذا دعت الحال (٢). وكان اليهود الأقدمون هم الذين وضعوا قواعد الوقاية من


(١) انظر الأصحاح الرابع عشر من سفر التثنية. ويعزو ريناخ Reinach، وروبرتسن سمث Robertson Smith وسير جيمس فريزر Sir James Frazer تحريم لحم الخنزير إلى عبادة أسلاف اليهود الطوطمية للخنزير (أو للخنزير البري) لا إلى ما كان لديهم من معلومات صحية أو رغبتهم في اتقاء الأمراض (١٥١). على أن عبادة الخنزير البري قد لا تكون إلا وسيلة لجأ إليها الكهنة للنهي عن أكل لحم الخنزير "لنجاسته". وأن ما في الشريعة الموسوية من قواعد صحية حكيمة ليبرر الشك فيما فسر به ريناخ هذا التحريم.
(٢) وظلت الطرق التي يشير بها سفر اللاويين (في الأصحاحان ١٣، ١٤) لعلاج الجذام متبعة في أوربا حتى آخر العصور الوسطى.