تغري الدولة والأفراد بالإشتراك في تعقب الضالين، وفي محاكمة الموتى، وكان من المستطاع في أي وقت من الأوقات الاستيلاء على أملاك البريثين من الناس بحجة أن من أورثوهم إياها قد ماتوا وهم ضالون. وكان هذا من الشرور الكثيرة التي حاول البابوات أن يقضوا عليها، ولكن محاولاتهم ذهبت أدراج الرياح (٧٧). وكان مما يفتخر به أسقف رودس أنه جمع مائة ألف "صول (١) " في حملة واحدة على الضالين في أسقفيته (٧٨).
وكان المحققون يعلنون في حفل رهيب يقام من آن إلى آن إدانة المذنبين وما يحكم به عليهم من عقاب. فأما التائبون فكانوا يوضعون على منصة في وسط الكنيسة، ثم يقرأ اعترافاتهم، ويطلب إليهم أن يؤكدوا هذا الاعتراف، وأن ينطقوا بصيغة خاصة يعلنون فيها إقلاعهم عن الضلال، ثم يقوم المحقق الذي يرأس الاحتفال فيعفي التائب من الحرمان، ويعلن سائر الإحكام المختلفة. فأما الذين "سيطلقون" أي يتركون إلى السلطات الزمنية فكان يسمح لهم بيوم آخر يرجعون فيه عن ضلالهم، وأما الذين يعترفون ويتوبون، ولو كانوا عند عمود الحرق، فكان يحكم عليهم بالسجن مدى الحياة، وأما اللذين يبقون على عنادهم فكانوا يحرقون وهم أحياء في ميدان العام .. وكان هذا الإجراء كله، من حكم، وتنفيذ يطلق عليه في أسبانيا اسم "عمل الإيمان aeto da fe" لأنه كان يقصد به أن يقوى عقائد الشعب الصحيحة، ويؤيد الإيمان بالكنيسة. ولم تنطق الكنيسة قط بحكم الإعدام، فقد كان شعارها القديم هو: إن الكنيسة تحجم عن إراقة الدماء (ecclesia aphorret a sanguine) ، ولهذا كان القسيسون يؤمرون بألا يسفكوا دماء، ومن أجل ذلك فإن الكنيسة حين تبعث إلى السلطات الزمنية باللذين تدينهم لم تكن تطلب إلى ولاة رجال الدولة
(١) عملة فرنسية قديمة كانت قيمتها ١ slash ٢٠ من الجنيه الفرنسي استبدل بها "الصلدى" (المترجم)