بقعة منعزلة تدعى كارتريز Chartreuse في جبال الألب بالقرب من جرينوبل Grenoble، وأنشأ غيره من الأتقياء الصالحين وحدات كرثوزية في أماكن منعزلة بعد أن سئموا ما يسود العالم من نزاع وما ينصف به رجال الدين من تهاون. وكان كل راهب في هذه الأماكن يعمل، ويطعم، وينام، في خلوته الخاصة المنعزلة، ويعيش على الخبز واللبن، ويلبس ثياباً من شعر الخيل، ويكاد يلازم الصمت على الدوام. وكانوا يجتمعون معاً ثلاث مرات كل أسبوع للقيام بمراسيم القداس، وصلاة الغروب، وصلاة منتصف الليل، وفي أيام الآحاد، والأعياد ينطلقون في الحديث ويطعمون جماعة. وكانت هذه الطائفة أشد طوائف الرهبان صرامة، وظلت قرون كاملة تأخذ نفسها بقواعدها الأصلية وفيه لها أشد الوفاء.
وأنشأ ربروت المولسميسى Robert of Molesmes في عام ١٠٩٨ بيت رهبنة جديد في مكان بري يدعى ستو Citeaux قريب من ديجون Djion، وذلك بعد أن أعيته الحيل لإصلاح أديرة البندكتين المتفرقة التي كان هو رئيساً عليها، واشتق من لفظ سيتو اسم الرهبان السترسيين كما اشتق من لفظ كارتريز اسم الرهبان الكرثوزيين. وأعاد ستيفن هاردنج من دورسسترشير Stephen Harding of Dorsestershire تنظيم هذا الدير ووسعه، وأنشأ له عدة فروع، ووضع عهد الحب Carta caritatis ليضمن به التعاون السلمي الموحد بين سيتو والبيوت السسترسية المختلفة وعادت مبادئ البندكيتين إلى كل ما كانت من صرامة، فكان الفقر التام أهم مستلزماتها، وامتنع الأعضاء عن أكل اللحم بكافة أنواعه، وحيل بينهم وبين التعليم، وحرم عليهم قرض الشعر، وأمروا أن يتجنبوا مظاهر الأبهة في الملابس الدينية، والآنية والأبنية. وحتم على كل راهب قوي الجسم أن يشترك في الأعمال اليدوية في الحدائق والمصانع التي تجعل الدير مستقلا عن العالم الخارجي، فلا يكون لراهب ما