للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو مستشارين، كانوا كلهم تقريباً يتوقون للعودة إليها، وكان برنار نفسه - وقد عرضت عليه الكنيسة أرقى مناصبها، وذهب إلى أراضي كثيرة بناء على طلبها - يحن دائماً للعودة إلى صومعته في كليرفو ويقول سأبقى بكليرفو "حتى تسيل عيني، وحتى يواري جسدي في كليرفو بجوار أجساد الفقراء".

وكان رجلا متوسط الذكاء، ثابت اليقين، ماضي العزيمة، متناسق الصفات الخلقية، ولم يكن يعني بالعلم ولا بالفلسفة لأنه يحس أن عقل الإنسان وهو جزء من الكون متناه في الصغر عاجز عن الحكم على الكون، لا يستطيع الإدعاء بأنه يفهمه، وكان يدهش من كبرياء الفلاسفة السخيف وهم ينطقون بهذرهم عن طبيعة الكون، وأصله، ومصيره. وقد هاله ما يراه أبلار من تحكيم العقل في الدين، وقاوم هذه النزعة العقلية لأنها تجديف وقحة. وكان يفضل أن يمشي في ضياء معجزات الوحي غير سائل أو متشكك، مفضلاً هذا عن محاولة فهم العالم. وكان من رأيه أن الكتاب المقدس هو كلام الله، وإلا كانت هذه الحياة في رأيه بيداء من الشك الحالك الظلام، وكلما أوغل الدعوة إلى هذا اليمان الشبيه بإيمان الأطفال، ازداد يقينه بأن هذا هو الطرق السوي. ولم أن ما جاءه أحد رهبانه واعترف له في رهبة وفزع أنه لا يستطيع الإيمان بقدرة القس على أن يحول خبز القربان إلى جسم المسيح ودمه، لم يلمه برنار على ما قال، وأمره مع ذلك أن يشترك في العشاء الرباني، وقال له: " اذهب واشترك فيه بإيماني أنا"، ويؤكد لنا الرواة أن إيمان برنار فاض على المتشكك وأنجى روحه (٢٥) وكان في وسع برنار أن يكره ويطارد حتى الموت، أو ما يقرب من الموت، الضالين أمثال أبلار أو آرنلد البريشيائي لأنهم أضعفوا كنيسة تبدو له رغم أخطائها وعيوبها مطية المسيح نفسها، وكما كان في وسعه أن يحب برقة لا تكاد تقل عن رقة العذراء التي كان يعبدها بغيرة منقطعة النظير. ورأى يوماً لصاً يساق إلى المشنقة فشفع له عند كونت شمبانيا ووعده أن يوقع عليه عقاباً أقسى من الموت