للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي لا يقاسيه إلا لحظة وجيزة (٢٦). وكان يعظ الملوك والباباوات، ولكنه يكون أكثر رضاً عن نفسه حين يعظ الفلاحين والرعاة في واديه وكان يتسامح في أخطائهم، ويهدهم بما يضربه لهم بنفسه من مثل صالح، وينال حبهم الصامت ويبادلهم حباً بحب. ووصل في تقواه إلى حد الزهد المنهك للقوة، وقد أكثر من الصوم حتى اضطر رئيسه في سيتو أن يأمره بتناول الطعام. وظل ثمانية وثلاثين عاماً يعيش في صومعة واحدة ضيقة في كليرفو، على فراش من ورق الشجر، وليس فيها مقعد إلا حفرة في الجدار (٢٧) وكانت طيبات العالم جميعها وما فيه من أسباب الراحة، تبدو له وكأنها لاشيء إذا قيست إلى التفكير في المسيح ووعده. وكتب وهو في هذه النشوة عدة ترانيم غاية في البساطة والرقة الأخاذة بمجامع القلوب:

أيها المسيح يا صاحب الذكرى الحلوة،

هب القلب البهجة الحقة،

إن أحلى من الشهد ومن الأشياء جميعها

مشهده الحلو،

وليس في كل ما يغنى شيء أجمل من ذكر عيسى أبن الله

ولا فيما يسمع شيء أحسن وقعاً على الأذن منه

ولا فيما يفكر فيه العقل أحلى منه.

أي عيسى يأمل التائبين

مارق قلبك على المتسولين!

وما أقربك لطالبيك!

ترى ماذا تكون لمن يلقوك؟

وقلما كان يعني بغير الجمال الروحي رغم إدراكه جمال اللفظ، فكان يغطي