عينيه خشية أن تسرفا في الاستمتاع الحسي بجمال بحيرات سويسرا (٢٩). وكان ديره عارياً من جميع الزينة عدا صورة المسيح مصلوباً، وكان يلوم دير كلوني لكثرة ما ينفقه من المال في بناء الأديرة التابعة له وزينها، ويقول في هذا:"إن الكنيسة تتلألأ جدرانها وتغل يدها عن فقرائها، وتطلى حجارتها بالذهب وتترك أبناءها عراة، وتفتن عيون الأغنياء بالفضة التي تأخذها من البائسين"(٣٠) وكان يشكو من أن دير القديس دنيس العظيم غاص بالفرسان المتكبرين المدرعين بدل العباد السذج، ويسميه:" حامية عسكرية، ومدرسة الشيطان، ومعشش اللصوص"(٣١) وتأثر سوجر بهذا اللوم، فأصلح عادات كنيسته ورهبانه، وعاش حتى استحق ثناء برنار.
ولم يكن إصلاح الأديرة الذي سطح ضياؤه من كليرفو، ورفع مستوى رجال الدين بترقية رهبان برنار إلى مراتب الأساقفة ورؤساء الأساقفة، لم يكن هذا إلا بعض ما أحدثه ذلك الرجل، الذي لم يكن يطلب شيئاً غير الخبز، من الأثر في جميع الطبقات وفي خلال نصف القرن الذي عاشه. وجاء لزيارته الأمير هنري الفرنسي أخو الملك وتحدث إليه برنار، وقبل أن ينقضي اليوم كان هنري راهباً يغسل الصحاف في كليرفو (٣٢). وقد استطاع بعظاته - وقد أوشكت لفصاحتها وجزالة لفظها أن تكون شعراً - أن يؤثر في نفوس كل من سمعه، كما استطاع برسائله - وهي آيات خالدة في الدعوة الحماسة الحارة - أن يؤثر في المجالس، والأساقفة، والبابوات، والملوك، وأمكنه باتصاله الشخصي أن يشكل سياستي الكنيسة والدولة. وأبى أن يكون أكثر من رئيس دير، ولكنه رفع البابوات إلى عروشهم وأنزلهم عنها، ولم يكن الناس يستمعون إلى خبر من الأخبار بإجلال وخشوع أكثر مما يستمعون بهما إليه.
وقد خرج من صومعته ليقوم بنحو اثنتي عشرة مهمة دبلوماسية عالية، كانت في العادة بناء على طلب الكنيسة ولما أن اختارت طائفتان متنازعتان