أقيموا موتاً، أخرجوا شياطين، مجانا أخذتم مجاناً أعطوا، لا تقتنوا ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقكم، ولا مزوداً في الطريق ولا ثوبين، ولا أحذية ولا عصا" (متى ١٠: ٧ - ١٠).
وخيل إلى فرانسس أن المسيح نفسه هو الذي يتكلم وأنه يتكلم إليه مباشرة، وصمم على أن يطيع هذه الألفاظ وينفذها بنصها - أن يدعو إلى ملكوت السموات، وألا يفتني شيئاً، وأن يرجع إلى الوراء خلال المائتين والألف من الأعوام التي اختفت عن الناس صورة المسيح، وأن يعيد تشكيل حياته على غرار هذا المثل القدسي.
وهكذا وقف في ربيع ذك العام في ميدان أسيسي متحدياً سخرية الساخرين جميعها يدعو إلى إنجيل الفقر وإلى المسيح. واشمأزت نفسه مما كان سائداً في هذا العصر من سعي لكسب المال بالحق أو بالباطل، وروعة ما رآه من ترف بعض رجال الدين وأبهتهم، فأخذ يندد بالمال نفسه ويقول إنه هو الشيطان وهو اللعنة، وأمر أتباعه أن يجتنبوه كما الرجس (٤١). وأهاب بالرجال والنساء أن يبيعوا كل ما يملكون وأن يهبوا يجتنبوا ثمنه للفقراء. واستمعت إليه جماعات قليلة في دهشة وإعجاب، ولكن الكثرة مرت به وحسبته أبلها مفتوحاً بالمسيح، ولما قال له أسقف أسيسي الصالح: " يبدو لي أن طريقتك في الحياة من غير أن تملك شيئاً قاسية صعبة على النفس" أجابه فرانسس بقوله: "مولاي، إننا إذا كان لنا ملك احتجنا إلى الأسلحة للدفاع عنه" (٤٢). وتأثرت به بعض النفوس، وعرض عليه اثنا عشر ممن تأثروا به أن يتبعوا تعاليمه ويسيروا على سننه، فرحب بهم، ولقنهم الفقرة السالفة الذكر من أقوال المسيح ليتخذوها رسالة وقاعدة يسيرون عليها، ونسجوا لأنفسهم ثياباً سمراء، وأقاموا لهم أكواخاً من أغصان الأشجار، ونبذوا هم وفرانسس عزلة الرهبان القديمة، فكانوا يخرجون كل يوم حفاة، ليس معهم من المال، يعظون الناس. وكانوا في بعض