الأحيان يغيبون عدة أيام، وينامون في مخازن الدريس، أو مستشفيات المجذومين، أو تحت أبواب الكنائس، فإذا عادوا غسل فرانسس أقدامهم وقدم لهم الطعام.
وكانوا يحيون بعضهم البعض، ويحيون كل من يلتقون بهم في الطريق، التحية الشرقية القديمة:"سلام الله عليكم" ولم يكونوا حتى ذلك الوقت قد أطلق عليهم اسم "فرانسسكان"، فقد كانوا يسمون أنفسهم "الإخوان الصغار Minorities Fratres أو المينوريين Minores". ذلك أنهم كانوا إخواناً لا قساوسة، ومعنى كونهم صغاراً أنهم أصغر خدام المسيح شأناً، وأنهم لا يمارسون قط سلطاناً، بل يخضعون على الدوام لسلطان من هم أرقى منهم؛ فهم يخضعون لأقل القساوسة درجة، ويقبلون يد أي قسيس يلقونه، ولم يرسم إلا عدد قليل منهم في الجيل الأول من نشأتهم قساوسة، ولم يرق فرانسس نفسه إلى أكبر من مرتبة شماس، وكانوا في جماعتهم الصغيرة يخدم بعضهم بعضاً، ويشتغلون بالأعمال اليدوية، ولم يكونوا يسمحون بوجود متعطل منهم، أو يشجعون الدراسة العقلية بينهم، لأن فرانسس لم يكن يرى في المعلومات الزمنية أية فائدة غير تكديس الثروة أو الجري وراء السلطان: "وسيجد إخواني الذين تغويهم الرغب الرغبة في العلم أنهم صفر الأيادي في يوم المحنة" (٤٣). وكان يسخر من المؤرخين الذين لا يقومون هم أنفسهم بعمل عظيم، ولكنهم يشرفون لأنهم يسجلون ما يقوم به غيرهم من جليل الأعمال (٤٤). وقد سبق فرانسس قول جيتة إن العلم الذي يستخدمه في العمل"(٤٥) ولم يكن واحد من الإخوان يمتلك كتاباً بما في ذلك كتاب الترتيل نفسه؛ وكانوا في عظاتهم يلجأون إلى الغناء كما يلجأون إلى الخطابة، بل كانوا يحذون حذو الشعراء المغنين الجائلين فيكونون مطربي الله (٤٦).
وكان الإخوان أحياناً يُسخر منهم ويُضربون، وتُسرق منهم أثوابهم حتى الثوب الأخير. وقد أمر فرانسس ألا يبدو أية مقاومة. وكان المعتدون