للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في كثير من الأحيان يدهشون من احتقار الإخوان للمجد والملك، وهو احتقار كان يبدو لهم فوق الطاقة البشرية، ولهذا كانوا يتقدمون إليهم يطلبون الصفح ويعيدون إليهم ما سرقوه (٤٧). ولسنا نعرف هل هذا المثل الآتي المأخوذ من زهيرات القديس فرانسس تاريخ حق أو خيال، ولكنه في كلتا الحالتين يصور نشوة التقوى التي تسري في كل ما نسمعه عن القديس:

قال فرانسس في يوم من أيام الشتاء وهو سائر في طريقه من بروجيا يعاني الأمرين من برد الشتاء القارس: "أيها الأخ ليو، إن الإخوان الصغار يضربون أحسن الأمثلة في الصلاح والتهذيب، ومع هذا فاكتب إليهم، ولا تتوان عن تعليمهم، أن البهجة الكاملة ليست في هذا". وبعد أن واصل فرانسس السير في طريقه بعض الشيء قال: "أيها الأخ ليو، إن الإخوان الصغار قد ردوا البصر إلى المكفوفين، وقوموا المعوجين، وأخرجوا الشياطين، وأعادوا السمع إلى الصم، ومكنوا العرج من المشي المستقيم … وأحيوا من قضوا في القبر أربعة أيام، ومع هذا فاكتب: إن السرور الكامل ليس في ذاك". ثم سار في طريقه قليلاً ثم صاح بأعلى صوته: "أيها الأخ ليو، لو أن الأخ الصغير عرف كل اللغات والعلوم، وجميع الكتب المقدسة حتى استطاع أن يكشف عن الأمور المستقبلة ويتنبأ بها، بل استطاع أكثر من هذا أن يكشف عن مخبآت الضمائر والنفوس- فاكتب: إن السرور الكامل ليس في ذاك" … ومع هذا فقد سار بعدئذ قليلاً وصاح قائلاً: "أيها الأخ ليو، إن الأخ الصغير يحذق الوعظ إلى حد يستطيع معه أن يهدي الكفرة إلى دين المسيح- فاكتب: "ليس السرور في ذاك". ولما استمر هذا الطراز من الحديث ميلين كاملين سأله الأخ ليو: … "أبي، بالله قل لي أين يوجد السرور الكامل؟ " فأجابه فرانسس بقوله: "حين نصل إلى كنيسة مارية الملائكة" (وكانت وقتئذ مصلى الفرانسسكان في أسيسي) يبللنا المطر، متجمدين من شدة البرد، ملطخين