للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خاتم العهد الثاني، وإن الحاجة إلى العشاء الرباني وإلى القساوسة تنتهي في العهد الثالث حين يسود الحب العالمي. وحرمت الكنيسة قراءة هذا الكتاب، وحكم على راهب فرانسيسي يدعى جراردو دا بورجا Gherardo da Borga ظن أنه هو مؤلفه بالسجن مدى الحياة، ولكن الكتاب ظل يتداول سرا، وكان له أثر بالغ في التفكير الصوفي وفي تفكير الطوائف الضالة في إيطاليا وفرنسا من أيام فرانسس إلى أيام دانتي - الذي جعل ليواقيم مكاناً في الجنة.

تأججت حول بروصة في عام ١٢٥٩ سورة جنونية من الندم والتوبة من الذنوب واكتسحت شمالي إيطاليا، ولعل الباعث عليها كان هو التحمس للشديد في ترقب حلول مملكة السماء. وأخذ آلاف من القادمين من مختلف الطبقات والأعمار يسيرون في مواكب غير منتظمة وليس عليهم من الثياب إلا ما يستر حقويهم، يبكون ويرجون الله الرحمة، ويضربون أنفسهم بسياط من الجلد. وانضم إلى هذه المواكب اللصوص والمرابون وردوا ما كسبوا من المال الحرام، متأثرين بعدوى الندم، فكانوا يركعون أمام أقارب ضحاياهم ويطلبون إليهم أن يقتلوهم، وأطلق سراح المسجونين، وطلب إلى المنفيين أن يعودوا إلى أوطانهم، وزالت العداوات بين الناس وصفت القلوب. وسرت هذه الحركة من ألمانيا إلى بوهيميا، ودخيل إلى الناس وقتاً ما أن إيماناً جديداً صوفياً سيغمر أوربا بأجمعها متجاهلا الكنيسة ولكن فطرة الإنسان ما لبثت أن استعادت قوتها، فتأججت نار العداوة بين الناس مرة أخرى، وخبت نار تلك الثورة الجنونية، ثورة الجلد بالسياط واختفت في الأعماق النفسية التي خرجت منها (٨٧).

وفي فلاندرز سارت حركة التصوف سيراً هادئاً متصلا. ذلك أن قساً من ليبج يدعى لامبير لي بيج Lambert le Beuge (أي المتهتة) أنشأ على ضفاف نهر الموز Meuse في عام ١١٨٤ بيتاً للنساء اللاتي يردن أن يعشن معاً في