جماعة صغيرة نصف شيوعية، دون أن يقسمن أيمان الرهبة، ويعلن أنفسهن بنسج الصوف وعمل المحزمات. وأنشئت للرجال طائفة أخرى من بيوت الله مماثلة لهذا البيت، وأطلق الرجال على أنفسهم اسم "البيجارد" (Beghard) أي الرجال المتهتهين وعلى النساء اسم البجوين (أي المتهتهات). وكانت هذه الجماعات تندد بالكنيسة، كما يندد بها الولدنيون، لاقتنائها الأملاك، وسلكوا هم أنفسهم سبيل الفقر الاختياري. وظهرت في أجزبرج عام ٢٢٦٢ شيعة أخرى هي شيعة إخوان الروح الحر وثبتت أصولها في المدن القائمة على ضفاف نهر الراين. وكانت كلتا الحركتين تدعى أنها تتلقى الوحي الصوفي الذي يعفيها من سيطرة الكهنوت، بل يعفيها فوق ذلك من سيطرة الدولة والقانون الأخلاقي (٨٨). وتضافرت الدولة والكنيسة على قمع الحركتين، فاندفعتا إلى العمل في الخفاء، وكانتا تظهران للعمل جهرة عدة مرات بأسماء جديدة، وكانتا من أسباب نشأة شيعة المنكرين للتعميد وغيرها من الشبع المتطرقة التي ظهرت في أيام الإصلاح الديني وممن بعثوا روح الحماسة في هذه الشيع.
وصارت ألمانيا أرض التصوف المحبوبة في بلاد الغرب، ففيها عاشت هلدجارد البنجنبه Hildegarde of Bingen (١٠٩٩ - ١١٧٩)" سيبيلة الرين" The Sibyle of the Rhine كل حياتها البالغة اثنين وثمانين عاما، عدا عامين اثنين، راهبة بندكتية، واختتمتها رئيسة دير للنساء على روبرتسبرج Rupertsburg. وكانت مزيجاً غير مألوفة من حسن الإدارة والرؤى الخيالية، تقية ومتطرقة، شاعرة وعالمة، طبيبة وقديسة، وكانت تراسل البابوات والملوك، تكتب إليهم دائماً بنغمة صاحبة السلطان الملهم، في لغة لاتينية رصينة قوية قوة لغة الرجال. وقد نشرت عدة كتب في الرؤى الدينية (Scivias) ادعت فيها معاونة الذات العلية، وكان رجال الدين يغضبون حين يستمعون إليها لأن حديثها الملهم كان نقداً لاذعا لثراء الكنيسة وفسادها. قالت هلدجارد بعبارات تفيض بالآمال الخالدة.